محاولة اغتيال فاشلة.. هل استُخدمت “الصدمة الدافعة” في الداخل هذه المرّة؟
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للرئاسة دونالد ترامب، أثارت العديد من التساؤلات حول الطريقة التي تم بها تنفيذ العملية، والشخص الذي قام بالمحاولة والدوافع التي تقف وراءها، ولكن الأكيد أن الفاعل إما أنه لا يمتلك المهارة الكافية رغم أنه يحمل قناصةAR حسب وسائل الإعلام الأمريكية، وإما أنه ماهر بما فيه الكفاية ليكتفي بقتل الشخص المجاور دون قتل ترامب، وفي كلتا الحالتين، هذا الأمر يشير من جهة ثانية طبعاً إلى ارتفاع معدّلات العنف والجريمة في الشارع الأمريكي بشكل غير مسبوق.
الحادث الذي أصيب به ترامب في أذنه، جاء حسب محللين بعد ارتفاع منسوب التحريض في وسائل الإعلام الأمريكية عليه من الديمقراطيين، حيث تعرّض ترامب لمحاولة اغتيال أثناء خطابه أمام تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، واصطحبه جهاز الخدمة السرية والدماء تسيل من جانب وجهه، وقال المتحدث باسمه: إن الرئيس السابق “بخير”، بينما قال جهاز الخدمة السرية إنه آمن، أمّا ترامب نفسه فقد أرسل بريداً إلكترونياً إلى مؤيّديه يتضمّن رسالة تحدّ قصيرة جاء فيها “لن أستسلم أبداً!”، وبينما كان محاطاً بعملاء الخدمة السرية على خشبة المسرح بعد إطلاق النار، تلفظ بكلمة “قتال” ثلاث مرات أمام حشدٍ من مؤيّديه.
ولكن الغريب في الأمر هذا الاستثمار الكبير للحادثة من ترامب، حيث تسنّى له بعد كل ذلك أن يطلق مثل هذه العبارات الحماسية التي ربّما تكون أقوى من جميع العبارات التي يمكن أن يطلقها في مهرجاناته الانتخابية، بل إن هذه العبارات يمكن أن تكون مفتاح فوزه بكرسي الرئاسة، بمعنى أنها قد تكون الصدمة الدافعة التي ستؤدّي إلى ذلك، فهل يمكن أن تكون العملية بحدّ ذاتها مدبّرة من فريق ترامب الانتخابي باستخدام أداة ربّما تكون كالعادة تعاني من اضطرابات نفسية، وخاصة أن الحديث عن استخدام قناص في العملية يكفي للتساؤل عن عدم دقة الإصابة؟.
ردود أفعال زعماء العالم جاءت كلّها في الإطار الذي يدعم دون قصد ربّما هذه الفرضية، حيث أعربوا عن صدمتهم نتيجة إصابة المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: “لا مكان لهذا النوع من العنف في أمريكا، يجب علينا أن نتحد، بصفتنا أمّة، لإدانته”، وتحدّثت نائبته كامالا هاريس عن “عمل بغيض” وقالت: إنها “مرتاحة” لأن ترامب لم “يُصَب بجروح خطرة”، بينما قال الرئيس الأمريكي الأسبق الديمقراطي باراك أوباما: “لا مكان على الإطلاق للعنف السياسي في ديمقراطيتنا”.
أما السيناتور الجمهوري جي دي فانس، فقد أكّد أن “الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن ترامب فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن. وقد أدّى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتياله”، وشكرت إيفانكا ترامب، “جهاز الخدمة السرية وجميع أفراد الأمن الآخرين”، وقال الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش: إنه “مرتاح لأن الرئيس ترامب آمن بعد الهجوم الجبان على حياته”، وقال الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون: “لا مكان للعنف في أمريكا”.
أما دوليّاً فقد قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو: إن العنف السياسي “غير مقبول أبداً”، وألقى الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي اللوم على “اليسار الدولي”، قائلاً: “خوفاً من الخسارة في الانتخابات، يلجؤون إلى الإرهاب لفرض أجندتهم المتخلفة والاستبدادية”، وقال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: إن إطلاق النار “يجب أن يُدان بشدة من جانب جميع المدافعين عن الديمقراطية والحوار السياسي”، وأعرب الرئيس التشيلي غابرييل بوريتش عن “إدانته المطلقة” لإطلاق النار، قائلاً: “إن العنف يشكّل تهديداً للديمقراطيات ويضعف حياتنا معاً، ويجب علينا جميعاً رفضه”، وقال الرئيس البوليفي لويس آرسي: “رغم خلافاتنا الأيديولوجية والسياسية العميقة، يجب على الجميع دائماً رفض العنف، أياً يكن مصدره”، وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: إن “العنف السياسي، بأي شكل من الأشكال، لا مكان له في مجتمعاتنا”، ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان: “أفكاري وصلواتي مع الرئيس ترامب في هذه الساعات المظلمة”، بينما أملت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني أن “يسود الحوار والمسؤولية على الكراهية والعنف في الأشهر التالية من الحملة الانتخابية”، وعبّر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن معارضته العنف السياسي الذي يتحدّى الديمقراطية، وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي: “لا مكان للعنف في العملية الديمقراطية”، ورئيس وزراء نيوزيلندا كريس لوكسون قال: “لا ينبغي لأي دولة أن تواجه مثل هذا العنف السياسي”، بينما أعرب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن إدانته للعنف “في السياسة والديمقراطيات”.
والتصريح الأكثر توجيهاً جاء من الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي ذكّرت بتحذيرها السابق من حملة تحريض ضد ترامب شنّها خصومه الديمقراطيون، وكتبت عبر “تلغرام”: “منذ شهرين بالضبط، لفتت الانتباه إلى حقيقة أنهم في الولايات المتحدة يشجّعون حرفياً التحريض على الكراهية للمعارضين السياسيين، كما قدّمت أمثلة على التقليد الأمريكي المتمثل في الاغتيالات ومحاولات اغتيال الرؤساء والمرشحين الرئاسيين”، وأكّدت أن هناك مَن أعلن صراحة عن “حاجته إلى قتل المرشح الرئاسي دونالد ترامب”، مشدّدة على أن مثل هذه التصريحات لا تأتي في شبكة اجتماعية ما، وإنما في وسائل الإعلام الرسمية على لسان سياسيين ديمقراطيين.
وأفادت شبكة “سي إن إن” الإخبارية، بأن عملاء الخدمة السرية المكلفين حماية الرئيس الأمريكي السابق، قتلوا المسلح مطلق النار في التجمع الانتخابي في بنسلفانيا.
وقالت: إن ترامب كان يخشى منذ فترة طويلة تعرّضه لمحاولة اغتيال، إذ منذ أن أصبح مرشحاً للرئاسة، كان يركّز دائماً على أمنه واستعداداته.
وواضح جداً أن جميع ردود الأفعال تدعم شيئاً واحداً هو أن ترامب سيكون وفقاً لهذه الدعاية الهوليودية المرشّح الأوفر حظاً للفوز في انتخابات الرئاسة، وبالتالي ليس غريباً أن نشاهد هذا الاستثمار غير المسبوق للحادثة لزيادة أسهمه، فالرجل مستهدف لأنه الأنسب للوصول إلى هذا الكرسي، ولذلك تتم محاربته.
ويأتي تعهّد الرئيس السابق بمواصلة المؤتمر المقرّر عقده الأسبوع المقبل في ميلووكي، حيث سيصبح المرشح الرسمي للحزب الجمهوري، ليؤكّد أن الرجل يحارب حرباً شعواء من أجل مصلحة الشعب الأمريكي، بينما قال رينس بريبوس، رئيس لجنة المؤتمر وكبير موظفي إدارة ترامب السابق: إن الحدث يمضي قدماً، حيث بدأ الضيوف بالفعل في الوصول إلى ويسكونسن.
ولكي يكتمل الاستثمار السياسي للحدث، فتحت لجنة الرقابة والمساءلة في مجلس النواب الأمريكي تحقيقاً في محاولة اغتيال ترامب، وكتب رئيس اللجنة جيمس كومر إلى رئيس جهاز المخابرات الأمريكي كيمبرلي تشاتل: “بدأت لجنة الرقابة والمساءلة تحقيقاً في محاولة اغتيال الرئيس ترامب ويتطلب ذلك حضوركم الطوعي”.
ورغم أن عملية الاغتيال ليست الأولى من نوعها التي يتعرّض فيها رئيس أمريكي لمحاولة اغتيال، إلا أنها ربما تكون هي الأغرب على الإطلاق، حيث تعرّض عدد من رؤساء الولايات المتحدة الـ46 لمحاولات اغتيال، نجحت 4 منها، أما أغلبيتها فقد فشلت، والمحاولات الفاشلة كلها كانت حديثة العهد، بينما تمّت المحاولات الناجحة في زمن بعيد نسبياً عنها.
وبالمحصّلة، يبدو أن الساسة الأمريكيين لا يستخدمون مفهوم الصدمة الدافعة في التعامل مع الخارج فقط، وإنما يمكن استخدامه للتعامل مع الخصوم الداخليين، ولا بأس مطلقاً في استخدام الوسائل الأكثر خبثاً لتطبيق النظرية، ما دام الدليلُ الوحيد على استخدامها ستتم تصفيته لاحقاً، أو يصدر تقرير منفصل بعد نهاية المسرحية يؤكّد أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية.