رأيصحيفة البعث

عن انتخابات “المجلس” واليوم الجديد

أحمد حسن     

ربما كان أحد أهم الدروس المستفادة من سنوات الحرب الطويلة، التي عشناها جميعاً، ذلك القائل إن انتظام الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها المحدّدة هو أحد أهم أدوات حماية “الدولة والمجتمع والوطن” لأنه يساهم في “الحفاظ على الشرعية الوطنية وصونها”، وبالتالي فإن وعي ذلك أولاً، والقيام بمقتضياته ثانياً، يتجاوز في حالتنا خلال الحرب – وهي لم تنته بعد – كونه “حقاً وواجباً” ليصبح فعل مواجهة وبقاء في الآن ذاته.

ذلك هو حال الانتخابات السابقة كلّها، وهو أيضاً حال انتخابات اليوم – التي لا تشذّ عمّا سبقها بالطبع – لأن الظروف الموضوعية هي ذاتها، سواء تلك المتعلقة بالحرب المستمرة، أم بخضوع السابقة والحالية لمجريات وإجراءات دستور واحد، هو دستور 2012؛ بيد أن الأمر ليس كذلك بالمطلق، فهناك ما هو جديد في انتخابات اليوم، وهو جديد يجعلها تخطو خطوة أبعد من سابقاتها في مسار “الفعل” الديمقراطي كنتاجٍ طبيعي لارتدادات عملية الحراك الانتخابي الداخلي التي قام بها حزب البعث تحت اسم “الاستئناس” والتي، رغم ما رافقها وتلاها من شدّ وجذب ونقاش، قدّمت فرصة مهمة جداً ليس لتوسيع دائرة الخيار، و”القرار”، الشعبي للناخبين الحزبيين فقط، بل لوضع جميع الناخبين أمام مسؤولية خيارهم أيضاً.

وبالتأكيد، فإن بعضنا، وهذا حقّه المطلق، لم يعجبه أحد من المرشحين، كما لم تعجبه القوائم المقدّمة للانتخابات، سواءً كانت حزبية أم مستقلة، فاستنكف عن المشاركة – وهذا يختلف عمّن استنكف لأجندات أخرى – لكنه، وهذه بعض مفارقات الديمقراطية، سيتساوى غداً مع من شارك في أنهما معاً سيواجهان المجلس ذاته، وأنهما معاً سيتحملان مغارم ومكاسب موقفيهما، وإن اختلفا بالدرجة والنوعية، فبينما سيتحمل المشارك مسؤولية اختياره الجيد أو السيء أو حتى أفضل الموجود، فإن المستنكف سيتحمل مسؤولية استنكافه المطلق، وهي مسؤولية أخلاقية ووطنية أعلى باعتبار أنه ترك الخيار للآخرين، ثم سيبدأ غداً وبعده بالبكاء على اللبن المسكوب، متناسياً أنه ساهم أكثر من غيره في سكبه وإضاعته.

والمهم في الأمر أن غداً، وهو يعلن انتهاء عملية الاقتراع، فسيعلن أيضاً بدء عملية “تفحّص وتمحيص” الأعضاء الجدد وخلفياتهم وتوجهاتهم وقدراتهم مجتمعين ومنفردين، وإذا كان همّ الناس الأول من المجلس “مطلبياً و”معيشياً”، بالدرجة الأولى، فإن المطلوب الأول من الأعضاء الجدد سيكون حكماً المبادة الفورية إلى تخفيف “التباعد” المكاني والنفسي والفعلي عن قضايا الناس وهمومها، كما زيادة فعّالية أطر المواجهة مع تبعات الحرب في سورية وعليها، وهي ضخمة ومعقدة؛ وهذا يقودنا إلى المعضلة الأهم، في رأينا، والتي تتمثّل في عدم تمتّع عدد معتبر من الأعضاء بالخلفية الكافية للإحاطة الكاملة والوافية بجوهرة مهام المجلس – أي التشريع وما يتطلّبه من إجراءات سن القوانين ومناقشتها – وهذا أمر طبيعي نظراً لخلفياتهم المعرفية المختلفة، وعدم تمتعهم بالاختصاص، أو الاهتمام الكافي، لسبر تعقيداتها، وتحديداً القوانين المالية منها، الأمر الذي يستدعي ضرورة إخضاع الأعضاء، وخاصة الجدد منهم، لدورات تدريبية قانونية، ولأنها ليست كافية بطبيعة الحال، فمن الملحّ وجود مكاتب مختصة أو مركز بحوث سياسية واقتصادية وقانونية جاهز لتقديم الاستشارة اللازمة لعضو المجلس في عمله التشريعي الصعب والمعقّد.
بالمحصلة.. هذا مجلس جديد، وهو “مجلس الشعب”، سواءً لمن شارك أو لمن استنكف، وبالتالي نأمل منه أن يساهم مع بقية المؤسسات الدستورية في اجتياز هذه المرحلة الصعبة بامتياز، وعلى الأقل التخفيف من تبعاتها، وتلك مسؤولية تاريخية نأمل جميعاً أن يقوم بها على أكمل وجه ممكن.