من أين سيبدأ مجلس الشعب الجديد؟
بشير فرزان
يتعهّد جميع المرشحين إلى مجلس الشعب بالعمل على دعم القرارات الهادفة إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتحقيق المزيد من المكاسب للطبقة العاملة، وتبني برامج دعم ذوي الشهداء وجرحى الجيش العربي السوري، ودعم الشباب والتأكيد على حقهم في الحصول على فرص العمل، ودعم المرأة وحماية حقوقها، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين ومكافحة الفساد بكلّ أنواعه وأشكاله، والعمل على تطوير البنية التشريعية والقانونية عبر إصدار وتعديل الكثير من القوانين بما يتناسب مع المستجدات وواقع الحياة العامة، والمساهمة في بناء الإنسان الحقيقي عن طريق عملية نشر وعي وثقافة إنسانية حقيقية ترفع من شأن القيم الإنسانية العليا، وتساعد على التخلّص من الفكر الإرهابي التطرفي الإجرامي.. ولكن هذه العهود تتلاشى مع بدء الدورة التشريعية للمجلس لتعلق في سجل الوعود الخلبية التي لا يُكتب لها الولادة لأسياب باتت معروفة للجميع، وفي مقدمتها أنها مجرد وسبلة لاصطياد الأصوات للعبور الشرعي عبر صناديق الاقتراع إلى ما تحت القبة دون أن يكون لها مكان وجود حقيقي في أجندة المرشح، بل إن الكثير من هؤلاء المرشحين لا يؤمنون بها.
وبغضّ النظر عن تجارب الماضي، وبنظرة مستقبلية، لا بدّ من أن نسأل: من أين سيبدأ مجلس الشعب الجديد، بوجود ملفات عديدة ومهمّة بانتظاره، منها ما هو قديم وبقي دون حلّ أو معالجة، ومنها ما يتعلّق بالتحديات القادمة، وفي مقدمتها مسارات تحقيق العدالة الاجتماعية التي ينادي بها المجلس ويجمع على تحقيقها كلّ من ينضوي تحت هذه القبة؟ ولن ننسى هنا المهمّة الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة، وهي مطلب شعبي ورسمي، وتتعلّق يتدقيق ومراجعة الملفات التي أثيرت حولها شبهات الفساد والتجاوزات، سواء لمن نال الحصانة أو لأولئك الفارين من وجه العدالة رغم استمرار نشاطهم المفسد في المؤسسات المختلفة أو من خارج المظلة الوظيفية، وطبعاً هذه الخطوة ستساعد المجلس الجديد على مواجهة الفساد وتدعيم مؤسسات الدولة.
ولا شكّ أن مراقبة الأداء الحكومي والإمساك بكلّ مكامن الضعف والتقصير يشكّل أولوية في عمل من “شمّر” عن ساعديه خدمة للشعب، فليس هناك حماية للوزراء أو أي مسؤول طالما عمله يخالف المصلحة العامة ويتعارض مع الآمال الشعبية، وهذا ما يتطلب المراجعة الشاملة للتشريعات والقوانين التي تمّ إصدارها، والتي تحتاج إلى مراجعة وتدقيق وإعادة نقاش، ولاسيما تلك التي صدرت دون الوقوف على آراء جميع الأطراف المعنية بتطبيق هذا القانون، والأهم دراسة أسباب عدم تطبيق القوانين والتشريعات التي صدرت وتمّ تجاوزها من قبل الحكومة وإداراتها التنفيذية ومحاسبة الجهات التي لها يد في إعاقة تنقيذ القرارات، كما حصل في أنظمة الحوافز، وهناك أيضاً التأخير في إصدار قوانين العمل وتعديلاتها فيما يخصّ قانون العاملين في الدولة “قانون الوظيفة العامة” وغيرها من القوانين التي تضرّر المواطن نتيجة عدم تنفيذها، مع الانتباه إلى ضرورة حلّ خوارزميات رقمية، وفكفكة معادلات حسابية تتعلق بموازنة الدولة فيما يخصّ حقائق الدعم الزراعي والصناعي، ودعم رغيف الخبز وغيرها من التسميات التي لا أساس لها على أرض الواقع ولكنها موجودة كشعارات بحماية “الخطوط الحمراء”.
بالمحصلة.. العمل على استعادة ثقة المواطن ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، فهو مرتبط بمصداقية الأعضاء والتزامهم بوعودهم بحيث يشعر المواطن أن المجلس مرآة لواقعه الحقيقي، ويعبّر بعمق ووضوح عن همومه ومشكلاته ويتحرك عملياً لمساندته ومساعدته والدفاع عنه، وليس مجرد أداة لشرعنة كلّ ما يقتصّ من آماله وتطلعاته بقوة المصالح الشخصية، ولذلك يطمح الناس ليكون المجلس الجديد قادراً على صنع الحلول، ويمتلك القدرة على المحاسبة والتدخل لتصحيح الأمور وإعادتها إلى نصابها المحدّد بالدستور وبالفكر الذي قامت عليه الدولة منذ عقود مضت.
ولا بدّ من التأكيد على قضية، مهمّة وحسّاسة جداً، تتعلق بأنه رغم وجود من فقد ثقته بإمكانية إحداث تغيير جوهري في أداء مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يلغي أن الفرصة لا تزال متاحة أمام المجلس ليفعل ما يعيد ثقة المواطنين به ويفرض نفسه كسلطة مؤثرة وفاعلة في الحياة العامة، وفي إدارة البلد بكفاءة وديناميكية بحيث يكون أكثر التصاقاً بمصالح من يمثلهم، وأكثر ابتعاداً عن قواقع العزلة والمال وشخصنة العضوية البرلمانية.. نأمل أن تكون القرارات الصائبة فاتحة خير للدور التشريعي الرابع وخاصة في القضايا المعيشية الضاغطة على الحياة العامة.