دراساتصحيفة البعث

نتنياهو والتعويل على الإبادة الجماعية

كانت تقارير الأمم المتحدة تؤكد أنه لا مكان آمناً في غزة، كما ردّد الفلسطينيون ذلك مراراً وتكراراً، وأما من تبقى من سكان غزة فقد نزحوا في مشهد مروّع يجعل المرء يتساءل من هو التالي في عداد الإبادة الجماعية الإسرائيلية؟!.

“إن إحصاء عدد من استشهدوا في غزة أمر صعب لكنه ضروري”.. هذا كان عنواناً لتقرير مجلة “لانسيت” حول حصيلة أعداد الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي ترتكبها في غزة. وأشار التقرير إلى أن وزارة الصحة في غزة قدّرت أعداد الضحايا الفلسطينيين بـ37396 من 7 تشرين الأول 2023 حتى 19 حزيران 2024، إلا أنه من المرجّح للغاية أن تكون قوات الكيان قد قتلت أكثر من 7.9 في المائة من سكان غزة وربما أكثر، ليصل العدد إلى 186 ألف فلسطيني.

ويقول تقرير المجلة: “إن توثيق العدد الحقيقي لعدد الوفيات أمر بالغ الأهمية لضمان المساءلة التاريخية والاعتراف بالتكلفة الكاملة للحرب. وهو أيضاً مطلب قانوني”. وفي حين أن التقرير يخطئ في وصف الإبادة الجماعية بالصراع، إلا أنه وضع قوة الأسلحة الإسرائيلية وتدمير غزة في بؤرة التركيز، وخاصة أن وسائل الإعلام الرئيسية تعمل بشكل حثيث على طمس المساءلة والالتزام بالسرد الأمني الإسرائيلي.

في غضون ذلك، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحصول على تأكيدات أنه في حالة التوصل إلى اتفاق، يُسمح لـ”إسرائيل” بمواصلة “القتال حتى تحقيق جميع أهداف الحرب”. وفي هذا الإطار نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مكتب نتنياهو قوله: إن الخطة التي وافقت عليها “إسرائيل” والتي رحّب بها الرئيس الأمريكي جو بايدن ستسمح لـ”إسرائيل” بإعادة الأسرى دون المساس بالأهداف الأخرى للحرب.

في حزيران، وصف المتحدث العسكري الإسرائيلي، دانييل هاغاري، القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة بأنه مهمة مستحيلة فهي متجذرة في قلوب الفلسطينيين، ومن يعتقد أننا نستطيع القضاء على المقاومة مخطئ. لا يعتقد نتنياهو أنه يستطيع القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، ولكن في السرد الإسرائيلي، المقاومة الفلسطينية هي دعاية ممتازة لتبرير الإبادة الجماعية. وكان هاغاري قد كرّر مؤخراً استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية، وقال: إن المقاومة ستظل موجودة في غزة في السنوات الخمس المقبلة، وهي حقيقة واقعة.

ونظراً إلى التأكيدات الصريحة أنه لا يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، وإلى استغلال نتنياهو للمقاومة كسبب للإبادة الجماعية المستمرة، فمن الواضح أن نية رئيس الوزراء الإسرائيلي ليست القضاء على المقاومة الفلسطينية بل محو الفلسطينيين. لقد تم القضاء على عائلات بأكملها في غزة، ويعزز تقرير  مجلة “لانسيت” ما توصّلت إليه تقارير سابقة من العديد من أبحاث منظمات حقوق الإنسان.

لم تتراجع أهداف “إسرائيل” وأفعالها المتعلقة بالإبادة الجماعية، كما أن محاولة تستّر المجتمع الدولي عليها تجعل من الممكن لنتنياهو أن يكمل ما بدأه، في حال لم يكن هناك رادع لـ”إسرائيل”. الواقع أن وقف إطلاق النار لا يرتبط فقط بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين يستغلهم نتنياهو نفسه، ولكن أيضاً بالطمأنات حول الاستمرار في ارتكاب المزيد من المجازر والإبادة لسكان غزة.

فكم سيكون عدد الشهداء في غزة خلال الأشهر المقبلة، في ضوء تستّر وصمت المجتمع الدولي على الإبادة الجماعية الإسرائيلية؟.

دراسات