ثقافةصحيفة البعث

محمد حمود ورمزية متكاملة بين اللوحة والمنحوتة

ملده شويكاني

منحوتة الأيدي المتشابكة عبّرت عن التلاحم والتعاضد واختزلت رسالة الفنان التشكيلي القادم من طرطوس محمد س حمود إلى دمشق، ليلتقي جمهور الفنّ في معرضه العاشر “لوحة ومنحوتة” والذي أقيم في المركز الثقافي العربي/ أبو رمانة.

وقد قدّم فيه مشهدية متكاملة جمعت بين النحت والرسم لمشهد واحد ينمّ عن فكره الفلسفي، فترك المتلقي في حيرة من أمره، وهو يقرأ كتلة المنحوتة ويتابع الثراء اللوني والتكوين في اللوحة.

ويبدو تأثر حمود بطبيعة منطقته، إذ ركز في لوحاته على اللونين الأساسيين الأزرق لون البحر والسماء، والأخضر لون غابات الزيتون بألوان زيتية، واتسمت خلفية بعض اللوحات بانسيالات لونية تجد طريقها بتموجات تشبه أمواج البحر تنطلق بحركة دائرية من أعلى اللوحة لتتضاءل لتصبح دقيقة جداً في أرضية اللوحة.

كما شكّلت الدائرة داخل تكوينات اللوحة عنصراً أساسياً ضمن إطار أشكال هندسية.

وثمة تقاطع بين أغلب الأعمال برفع القسم العلوي للمنحوتة التي اعتمد فيها على شيء من التحوير لأجزاء من الجسد برفع الرأس وامتدادات اليد بغية الخلاص والانطلاق من جديد، موظفاً تقنية التوازن بين الكتلة والفراغ وفق ما يتلاءم مع الموضوع الذي تعبّر عنه المنحوتة.

ومن يتجول بأرجاء المعرض يستشفّ أن كل عمل منفرد بذاته ويحمل رسالة استمدها الفنان من الواقع الحياتي والإنساني.

كما كانت السمكة برمزيتها للأنثى والوطن حاضرة وكذلك الطير، وقد نوّع بأحجام المنحوتات واللوحات التابعة لها وفق المنحوتة.

الملفت أنه أنصت لصوت تخيّلاته بتجسيد شكل بعض المنحوتات من كائنات حيوانية غريبة بدلالات رمزية، وفي جانب آخر نلمح ثمة ملامح للأساطير القديمة.

ويبقى السؤال أيهما أكثر صعوبة وتأثيراً اللوحة أم المنحوتة؟

ليجيب حمود في حديثه مع “البعث”: النحت أسهل من الرسم، واللوحة تتطلب جهداً وفكراً أكثر من المنحوتة، وفي هذا المعرض قدمتُ فكرة جديدة ونادرة بالجمع بينهما بأسلوبي الخاص الذي شُغفتُ به ونفذته واستغرق مني ثلاث سنوات بغية نشر القيمة الجمالية والفنية والروحية.

وتنطلق الفكرة من التأكيد بشاهد إثبات، ففي المقالة يدعم الكاتب رأيه بشاهد من آية قرآنية أو بيت شعر أو قول، فاللوحة والمنحوتة تمثل كل واحدة بالنسبة للأخرى شاهد إثبات ليشكلا معاً الشكل ذاته ونمط الأسلوب ذاته بأدوات مختلفة.

أما عن أسلوبه في اللوحات، فعقب بأنه ينفذها وفق الفكرة ويتوخى أن تكون مريحة للنظر وقريبة من ذات المتلقي بأسلوب تعبيري تجريدي، ليصل إلى: برأيي الفنان لا يخضع لقوانين سوى قانون الإبداع.

وفيما يتعلق بالمضامين، أضاف: استمديتُ موضوعات الأعمال من الواقع الحياتي الذي نعيشه جسدت فيها حالات إنسانية، وفي قسم آخر جسدت منحوتات لكائنات بحرية وطيور، حمل كل واحد منها رسالة.

ومن ثم توقفتُ معه حول منحوتة كائن غير طبيعي يثير شيئاً من الخوف برأسه المستدير إلى الخلف، وفسر ذلك بأن الأزمة أنتجت لدينا أشخاصاً لا ينتمون إلى الإنسانية، ونفذها من جذع السنديان إيماءة إلى القوة التي تربطنا بأرضنا ووطننا ومواجهتنا المخربين الذين حاولوا أن ينالوا من سورية.

وتابعت الموضوع ذاته بمنحوتة الطير الذي اقتُلعت عينه وتمّ اختيارها لتكون على البروشور مع لوحتها، ويشير العمل إلى كثرة وجود أصحاب الفكر الظلامي التخريبي، ورسالة العمل بأن نعرف ما يريدون ونقرأ أفكارهم ونكون واعين نتصدى لهم، ثم العمل الآخر المؤلف من ثلاث أجزاء، الأول يرمز إلى الشيطان ثم فرعون ثم الملاك بارتقائه إلى مرحلة السمو، ويعبّر عن عمل كل إنسان.

التفاحة الحمراء كانت حاضرة بالمعرض لكن بعيداً عن أسطورة الخلق آدم وحواء التي وظّفها كثير من الفنانين، إذ ارتبطت بمرحلة طفولة الفنان وذكرياته مع التفاحة حينما كان يربطها بخيط ويلعب بها ولا يريد أن يتناولها حتى لا يفقدها، فانعكست هذه الذكرى على منحوتة اليد الطويلة التي تمسك الخيط وبرأسه التفاحة وتتوسط المنحوتة اللوحة على خلفية تعبيرية لشخوص وملامح الضيعة وتموجات اللون الأزرق.

كما أشار إلى عمل منحوتة على شكل الساعة الرملية يتحرك داخلها جسد المنحوتة المكوّن من رأس الأنثى بمقابلة رأس الرجل إلى عدم التوازن بين الرجل والمرأة كما ذكر.

أغلب المنحوتات نفذها الفنان من خشب أشجار الزيتون، لتتكامل مع درجات اللون الأخضر في اللوحات.

يُذكر أن الفنان محمد س حمود أول نحات في طرطوس، إذ اشتغل منحوتته الأولى في عام 1969.