ثقافةصحيفة البعث

قراءة في كتاب “التناص والإيقاع في بنية القصيدة عند طلال الغوار”

ملده شويكاني

قدمت الباحثة زينة جمال رزوقي الدوري مفهوماً شاملاً عن مفهومي التناص والإيقاع في الأدب العربي في كتابها الذي يعد دراسة عن تجربة الشاعر العراقي طلال الغوار، تناولتها من خلال المحورين الأساسيين في بنية القصيدة لديه، التناص والإيقاع بعد أن قدمت موجزاً عن السيرة الذاتية للشاعر مع تطور تجربته من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر، إضافة إلى تبويب لكتبه والكتب النقدية التي وثّقت ما كتب عنه.

وقد عنوّن الكتاب بـ ( التناص والإيقاع في بنية القصيدة عند طلال الغوار) الصادر عن دار السرد في بغداد -2024- وجاء الغلاف من تصميم فلاح العيساوي.

بدأت بأسلوب توضيحي بُني على الترتيب الزمني لتطور هذا المفهور، وهو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين نصوص عدة، وأشارت إلى أنه ظهر متأخراً في البلدان العربية منذ أواخر السبعينيات من القرن العشرين مع النقاد المغاربة واللبنانيين، ويعد الناقد محمد بنيس أول من نقل مصطلح التناص إلى اللغة العربية في عام 1979 من خلال كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب –دراسة بنيوية) واعتمدت الكاتبة على تدوين شواهد من الكتب التي تناولت تحليل التناص، لتصل إلى أن النقاد العرب استفادوا من التنظيرات الغربية في قراءة الموروث النقدي القديم من جهة، وصياغة آرائهم وتوجيهاتهم الخاصة لمفهوم التناص من جهة أخرى.

ثم تابعت عن أنواع التناص، القرآني  ويتمثل من القرآن الكريم بتضمين ألفاظه ومعانيه ودلالاته وقصصه، وعدّ التناص القرآني علامة فارقة عززت شعرية القصيدة، كون أسلوب القرآن هو الأسلوب الأمثل للغة العربية، إضافة إلى ما يضفيه التناص الديني من قدسية.

ورأت الباحثة أن التناص القرآني شكّل حضوراً مهماً في شعر الغوار، إذ اعتمد على الآيات القرآنية ووظّفها توظيفاً متماهياً مع فكره وفنه ما أكسبه عمقاً موضوعياً وأبعاداً جمالية وفنية، ومن الأمثلة على ذلك قصيدة ( شرفات):

فأهز مرايا دمي

تسقط الذكريات

وهي مفتونة بالبكاء

وباللغة الحالمة

فأراك مجللة بالندى

عند باب العيون

ويتضح التناص القرآني من سورة مريم –آية 25، كما وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى” وهزي إليك بجذع النخلة تسقط عليك رطباً جنيا” إذ جعل التناص باللفظ الصريح كما ورد في القرآن الكريم وهي( تسقط) أي تساقط الذكريات.

وفي قصيدة الاشتهاء يقول الشاعر:

اضرب معي بعصاك الحجر

تهتدي

بخطاك النجوم

فالتناص بينها وبين سورة البقرة-آية 60 كما وردت في قوله تعالى” وإذا استسقى موسى لقومه، فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا”  فنسق الشاعر قصة موسى عليه السلام إلى نسق آخر أراد التعبير عنه.

أما في قصيدة( القصيدة):

لم يبق لي

غير القصيدة

أشير بها إلى نجم

وبها أصد نبال

وهي عصاي

أتكئ عليها

وأسير بها

حتى أصل إلى نفسي

فالتناص بينها وبين النص القرآني من سورة طه” قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى”

فيقصد الشاعر بأن فعل القصيد قادر الوصول للبلاد والدفاع عنها.

وتنتقل الكاتبة بعد شواهد عدة إلى التناص التاريخي، لتدل على توظيف الغوار الشخصيات التاريخية مثل شخصية أبي جعفر المنصور في قصيدة ( المنصور يسأل عن بغداد):

فأهمس في داخلي أين بغداد يا ترى؟

فأفاجأ

بالمنصور أبو جعفر

يخرج من بقايا تمثاله المهشم.

فأراد الشاعر أن يشير إلى تحطم التمثال الذي أصبح كومة من الحجارة، فيتخيل خروجه من التمثال ليسأله عن بغداد وما حلّ بها.

كما تابعت بتوظيف الغوار التراث من شخصية اليمامة الزرقاء في قصيدة بغداد، وكذلك التناص الأسطوري لملحمة جلجامش في قصيدة ( مفارقات).

ولم يقتصر التناص على القرآني والتاريخي والتراثي والأسطوري فقط، إذ وجد التناص الشعري طريقا لقصائده مثل الشاعر المتنبي بقوله:

نحن أدرى وقد سألنا بنجد

أطويل طريقنا أم يطول

فبدا التناص معه في قصيدة ( تواقيع) بقول الغوار:

نحن أدرى وقد سألنا

أطويل طريقنا أم يطول

طرقاتنا طويلة

طرقاتنا

لا تريد الانتهاء

وللتناص الغنائي حضور في شعر الغوار، إذ وظّف أغنية فيروز بالتناص اللفظي” أنا عندي حنين ما بعرف لمين” بقصيدته التي حملت العنوان ذاته( أنا عندي حنين):

ما أغربك أيها الحنين

لا أعرف إلى أين تمضي بي

وتحط رحالك

كما أدخل الغوار بعض النصوص النثرية إلى قصائده مثل قول محيي الدين بن عربي” المكان الذي لا يؤنث لا يعوّل عليه” بقصيدته ( تحولات):

كلمات وسنى

تخرج من قبعة الليل

وتلقي بين يديّ أنوثتها

تأخذني فتنتها

يا للوجب

هذا ما عوّلت عليه

كما بحثت مطوّلاً بمفهوم الإيقاع الذي ينسحب على الأدب وكل الفنون، متوقفة عند أنواع الإيقاع في بنية القصيدة العربية الحديثة، ابتداءً من الموسيقا الداخلية إلى التكرار بأنواعه من تكرار الحرف إلى تكرار الكلمة إلى تكرار العبارة، وأوردت أمثلة من استخدام الغوار عنصر التكرار  في شعره مثل تكراره اللفظي لمفردة ” زهرة” في قصيدة ( تشرقين في قصائدي):

كلما

تهجيتُ حبّك

زهرة

زهرة

وقلت إني وصلت إليك

اتسعت أمامي

حقول المعاني

وغاب الطريق

فخلق إيقاعاً داخلياً يتماشى مع نفسية الشاعر والمحافظة على الإيقاع الممتد.

وتابعت بجمالية الجناس والتضاد، لتنتقل إلى المفارقات الشعرية بجزئياتها من المفارقة اللفظية إلى مفارقة الموقف إلى المفارقة الدرامية وتتضح في تبني الغوار موقفه من صعوبة الحياة والفوضى التي تحيط به كما في قصيدة( عراء في زنبقة):

اختفت الصحراء

في عنق الجمل

ومازالت

تتدلى من أعناقنا

النوافذ

وفي نهاية الكتاب أضافت عن الحوار بشقيه المونولوج والمناجاة.