دراساتصحيفة البعث

الغموض يلفّ المشهد السياسي في فرنسا

هيفاء علي

أجواء التوتر على أشدّها بين فرنسا الأبية والاشتراكيين، الحزبين الرئيسين في الجبهة الشعبية الجديدة اللذين يتنازعان زعامة المعسكر اليساري في الجمعية الوطنية الجديدة، حيث قال منسق “فرنسا الأبية” مانويل بومبار في حديثه لإذاعة فرنسا الدولية وقناة “بي إف إم تي في”: “إذا جرت العرقلة اليوم، فسيكون ذلك بوضوح بسبب الحزب الاشتراكي”.

وبالتالي، لا يزال المشهد السياسي في فرنسا غامضاً بعد أكثر من أسبوع عن إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها ائتلاف اليسار من دون حصوله على الأغلبية. فلا حكومة في الأفق ولا اسم لترؤس هذه الحكومة. لكن بوادر الانشقاق باتت جلية في صفوف الجبهة الشعبية الجديدة، وهذا ما سعى إليه معسكر ماكرون، حيث لم تتمكّن من اقتراح اسم توافقي ينهي الأزمة. والصراعات التي اندلعت بين الأحزاب الفرنسية بخصوص اسم رئيس الجمعية الوطنية المقبل لم تزد الطين إلا بلّة.

وسعياً للخروج من هذا المأزق، طرح الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفييه فور، مرشح حزبه لرئاسة الحكومة، في المقابل، طرحت فرنسا الأبية أولوية جديدة للتحالف اليساري، وهي التوافق على ترشيح مشترك لرئاسة الجمعية الوطنية، المنصب الاستراتيجي الذي سيجري تصويت بشأنه يوم الخميس القادم.

وينطوي هذا الاستحقاق على رهان كبير لليسار في وقت يسعى فيه قسم من المعسكر الرئاسي منذ عدة أيام لبناء أغلبية تكون بديلة عن الجبهة الشعبية الجديدة للفوز بهذا المنصب الأساسي الذي تعتزم الرئيسة الحالية ياييل برون بيفيه (من حزب ماكرون) الاحتفاظ به.

وبينما اقترح كل من حزب البيئة (الخضر) والحزب الشيوعي الفرنسي اسم رئيسة مقاطعة “لا رينيون” أوغيت بيلو، القريبة من حزب “فرنسا الأبية”، لتولي منصب رئيسة الوزراء، نشرت هذه الأخيرة بياناً أعلنت فيه رفضها تولّي المنصب بسبب الخلافات السائدة بين الأحزاب المكوّنة للجبهة الشعبية الجديدة.

وكان أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، قد أعلن سابقاً أن الحزب الذي سيفوز بعدد أكبر من المقاعد في الجبهة الشعبية الجديدة هو الذي سيقترح اسم رئيس الوزراء، لكنه غيّر مواقفه وبدأ يعيد النظر في جميع ما قاله وفي جميع الاقتراحات التي تم تقديمها.

وأشار فور إلى أن “مسألة تعيين رئيس وزراء ليست قضية شخصية” بالنسبة له، وأنه “ليس هناك شيء تمّت عرقلته”. وتابع قائلاً: “ترشيح أوغيت بيلو له معنى ودلالة بالنسبة لي. أنا أيضاً أملك دماً مختلطاً (والدته فيتنامية) وبدأت حياتي في جزيرة لارينيون”، وأضاف: “لكن الاشتراكيين يعتبرون أن الحزب الذي فاز بالانتخابات الأوروبية هو الحزب الاشتراكي، وأن الحزب الذي طوّر نتائجه، وأظهر ديناميكية انتخابية قوية خلال الانتخابات التشريعية، هو أيضاً الحزب الاشتراكي”.

من جهتها، أعلنت مانو أوبري، زعيمة كتلة فرنسا الأبية في البرلمان الأوربي أنها لا “تتفهّم الأسباب التي جعلت الحزب الاشتراكي يعرقل مسار تعيين أوغيت بيلو في منصب رئيسة الحكومة”، مشيرة إلى أن “الهاجس الوحيد لدى الحزب الاشتراكي يكمن فقط في تعيين أوليفييه فور رئيساً للحكومة”.

ويأتي تبادل الاتهامات هذا في وقت تعيش فيه فرنسا فراغاً سياسياً، وغداة دخول النواب الجدد إلى الجمعية الوطنية، والإعلان عن تشكيل الكتل الحزبية التي ستنشط داخل هذه الجمعية.

وثمة أسماء عديدة أعلنت ترشحها لتولّي هذا المنصب الاستراتيجي، وفي مقدمتهم رئيسة الجمعية السابقة ياييل برون بيفيه التي أعلنت عن ترشحها بشكل رسمي بحكم خبرتها في هذا المنصب.

وقالت بيفيه في حوار مع وسائل إعلام فرنسية: “طبعاً هذا ما أتمناه. لكن يجب قبل كل شيء أن أتكلم مع حزبي ومع نواب الأغلبية. لقد توليت هذا المنصب في وقت تراجع فيه دور النساء في ميدان السياسة. وفي حال انتخب رجل في هذا المنصب، فهذا سيكون بمنزلة رسالة سيئة للنساء”.

وإضافة إلى رئيسة الجمعية الفرنسية السابقة،  أظهر عدد كبير من النواب رغبتهم في تولي هذا المنصب، على غرار لوران فوكييز من حزب “الجمهوريون” وشارل دو كورسون من الحزب نفسه.

وفي معسكر اليسار، أعلنت ساندرين روسي من حزب البيئة (الخضر) عن ترشحها لنيل منصب رئيسة الجمعية الوطنية، بينما يدور الحديث أيضاً عن النائب من الحزب الاشتراكي بوريس فالو. أما في صفوف التجمع الوطني اليميني المتطرف فهناك إمكانية أن يرشح سيباستيان شونو نفسه لمنصب رئيس الجمعية بعدما كان نائباً لها في العهدة السابقة.

وتحاول عدة شخصيات من اليمين أمثال وزير الداخلية جيرالد درمانان، إحداث انشقاقات في صفوف الجبهة الشعبية الجديدة، بالقول: إن التحالف الرئاسي مستعد للعمل مع الحزب الاشتراكي والشيوعي والخضر في حال قطعوا الحبل مع فرنسا الأبية. لكن زعيم الحزب الاشتراكي ردّ عليه قائلاً: “الجبهة الشعبية الجديدة جاءت في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. على الرئيس أن يدعو هذه الجبهة إلى تشكيل حكومة وممارسة السلطة لا أكثر ولا أقل”.

وفي انتظار أن تتضح الصورة السياسية الفرنسية، دعا ماكرون إلى عقد اجتماع مع بعض المسؤولين في التحالف الرئاسي لكي يقدّم لهم التعليمات التي قد يتبعونها خلال عملية التصويت على رئيس أو رئيسة الجمعية الوطنية الجديدة، كما يتوقع أن يقبل استقالة رئيس الحكومة غابرييل أتال الذي عيّن رسمياً رئيساً لكتلة “حزب النهضة” الذي أسسه ماكرون.