“ناتو” يسعى لاحتواء صعود الصين
عائدة اسعد
في بيان أصدره حلف شمال الأطلسي “ناتو” خلال قمته في واشنطن، لم يعلن الحلف العسكري عبر الأطلسي أن أوكرانيا تسير على طريقٍ لا رجعة فيه نحو عضوية المنظمة فحسب، بل أشار أيضاً بأصبع الاتهام إلى الصين، ووصفها بأنها عامل التمكين الحاسم للصراع الروسي الأوكراني.
وتزعم الوثيقة، التي تعكس عقلية الحرب الباردة السائدة في واشنطن، أن بكين تواصل فرض تحدّياتٍ نظامية على مصالح وأمن الأوروبيين، وتحذر من أنه لا يمكن أن تسمح الصين بشن أكبر حرب في أوروبا في التاريخ الحديث دون أن يؤثر ذلك سلباً في مصالحها وسمعتها.
وتعدّ مثل هذه التصريحات استفزازية، نظراً للتهديد الكامن الذي تنقله الرسالة، وعلاوة على ذلك، هي تستند إلى افتراض خاطئ مفاده أن الصين تتحمل المسؤولية عن الصراع الذي طال أمده، في حين أن الصين ظلت في الواقع طرفاً محايداً، وأن حلف شمال الأطلسي هو الذي يعمل باستمرار على تأجيج نيران الأعمال العدائية.
وحسبما يقوله المحللون السياسيون فإنه على النقيض من الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، الذين دأبوا على إمداد أوكرانيا بأسلحة أكثر تطوراً، لم ترسل الصين قط مساعداتٍ فتاكة إلى أي من الجانبين، كما فرضت قيوداً صارمة على صادرات السلع ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك الطائرات المدنية دون طيار، ويجب أن تكون العلاقة التجارية الطبيعية التي حافظت عليها مع روسيا خالية من اللوم لأنها لا تستهدف أي طرف ثالث، وتتوافق مع معايير التجارة الدولية.
وفي الواقع، ينبغي إلقاء اللوم على حلف شمال الأطلسي نفسه في الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، فالتحالف العسكري الذي تأسس في عام 1949 لاحتواء الاتحاد السوفييتي السابق، كان من المفترض أن يتفكّك منذ فترة طويلة مع فقدان سبب وجوده بعد نهاية الحرب الباردة، ولكن على الرغم من عقود من التحذيرات من جانب روسيا، تحوّل التحالف من آلية دفاع جماعية مزعومة إلى وحش عدواني تضاعف حجمه تقريباً منذ نهاية الحرب الباردة، ويدفع دون هوادة جبهته المسلحة نحو الشرق، ويزرع بذور الصراع الحالي.
وبرأي المحللين، الصين ليست طرفاً في الأزمة الأوكرانية ولا هي صانعتها، وبدلاً من ذلك، عملت دائماً على تعزيز محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا والتوصل إلى تسوية سياسية للصراع، وقد حظيت مقترحات السلام التي طرحتها بالتأييد والثناء على مستوى العالم، ومن خلال إلقاء اللوم على الصين في تمكين الصراع المستمر، يحاول الناتو جعل الناس يخلطون بين الأسود والأبيض.
وبدلاً من أن تشكّل الصين تهديداً أمنياً لأوروبا والغرب، فإن منظمة حلف شمال الأطلسي هي التي تسعى إلى التوسّع نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء صعود الصين، ولم يخفِ الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، في مقابلة أجريت معه العام الماضي، خطة الحلف المتمثلة في انضمام أوكرانيا إلى الناتو لإصلاح مشكلة روسيا، حيث قال: “وبعد ذلك سنحرّر الموارد لمواجهة التحدّي العالمي الحقيقي طويل الأمد: الصين”.
وهذا ما يفسّر لماذا يسعى التحالف، على الرغم من وصف نفسه بأنه منظمة دفاعية إقليمية في شمال الأطلسي، إلى فتح مكتب اتصال في طوكيو كجزء من تقدّمه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد عمل الناتو بالفعل مع أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية خلال مؤتمرات القمة الأخيرة التي عقدها في إطار ما يسمّى برنامج الشراكة لمحاولة تشكيل تطويق حول الصين لمواجهة التحديات الإقليمية.
ويبدو أن حلف شمال الأطلسي، بعد أن تسبّب في الفوضى في أوروبا، مستعدّ لتكرار الخطأ نفسه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ, تلك المنطقة التي تطمح إلى التنمية السلمية, ولكن ما يفعله حلف شمال الأطلسي يمهّد الطريق لتحويل المنطقة إلى بوتقة للمنافسة الجيوسياسية، وهو ما من شأنه أن يعرّض ازدهار المنطقة وسلامها واستقرارها للخطر.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين كانت وستظل دائماً مساهماً في التنمية العالمية ومدافعاً عن النظام الدولي، وينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يتوقف عن تضخيم التهديد الصيني والامتناع عن إثارة المواجهة مع الصين، ويجب على هؤلاء الأعضاء الذين لم يفقدوا عقولهم في رائحة الإيديولوجية المتعفنة أن يسعوا جاهدين للحفاظ على قبضة محكمة على زمام المنظمة، التي تبدو عازمة على الاندفاع بتهور إلى معركة أخرى.