ثقافةصحيفة البعث

“المرأة المثقفة..” أولى فعاليات “رابطة البيان الثقافية”

أمينة عباس

بعد الإعلان عن انطلاقتها مؤخراً، أقامت رابطة البيان الثقافية بالتعاون مع مديرية الثقافة في دمشق أولى فعالياتها في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة عبر تكريمها لعدد من الكتّاب والإعلاميين والشعراء والفاعلين في المجتمع وأمهات الشهداء، وعقد ندوة حملت عنوان “المرأة المثقفة ودورها في النهضة المجتمعية” أدارتها الإعلامية لما بدران، وشاركت فيها د.مديحة باراوي مديرة الرابطة، د.نجاح باراوي رئيسة مجلس الادارة، د.سلوى شعبان، د.لارا ستيتي والكاتب أوس أسعد.

احتل الحديث عن واقع المرأة والتحديات التي تواجهها قسماً كبيراً من الندوة، حيث مهدت المشاركات في الندوة لموضوعها من خلال تناول واقع المرأة في مجتمعاتنا والإشكاليات المجتمعية المعيقة لحركة تطورها.

تقول د.مديحة باراوي: “أولى الإشكاليات المجتمعية المعيقة لحركة تطور المرأة والرجل ليقفا معاً يداً بيد لمواجهة التحديات العصرية إشكالية الازدواجية لدى الرجل الشرقي بين المخزون المعرفي الثقافي المكتسب القائم على منطق العقل والمخزون التربوي المجتمعي العامّ الذي يجعله يبيح لنفسه ما يمنعه عنها ويحرّمه عليها بكل ما أوتي من تسلط مدعمة بالقانون الذكوري المسيطر على العقلية العامة كونها الصورة الذهنية الراسخة”.

في حين ترى د.نجاح باراوي أن “دور المرأة الإنساني كوجود مستقل في مجتمعنا يوضع اليوم على محكّ شائك يترنحُ تحت وطأةِ ضغوطٍ مثقلة بحمولةِ الواقع المتردي الذي نعيشُه في معترك أزمات وإرث يكبلنا بتقاليده وأعرافه السائدة التي لم تعد تناسب تطلعات حياتنا المعاصرة، فرغم كل ما وصلت إليه من مناصب قيادية هامة، لا زال وضعها في مجتمعاتنا بائساً، ولا زالت تعاني اضطهاداً وتبعية واستغلالاً بدرجات متفاوتة لا تكاد تنجو منها حتى المرأة المثقفة التي تعاني من الضغوط الأسرية والمجتمعية التي انعكست سلباً عليها وعلى بنيتها السيكولوجية، فضاعفت صراعاتها الداخلية وأخذت تشكل عائقا قوياً على طريق وجودها واستقلاليتها”.

أما د.لارا ستيتي فأشارت إلى التحديات التي تواجه المرأة، ومنها: “صعوبة التوفيق بين الدور العائلي والنشاط الاجتماعي، ومنافسة الرجل باعتباره يقوم بعمل واحد فقط، بينما تتحمَّل المرأة أعباء عدة، وهي وعلى الرغم من ذلك وصلت إلى مراكز في أكبر المؤسسات وحصلت على شهادات تعليمية عالية واكتسبت مهارات جمّة مطلوبة في أسواق العمل من خلال قدرتها على التفكير الإيجابي وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له وهي طاقة لا بدّ من تعزيز دورها وتذليل الصعوبات والتحديات التي تواجهها”.

وعلى الرغم من كل ما قيل سابقاً عن المرأة  وصفتها د.سلوى شعبان في مشاركتها بأنها “المدبّر والخلية الفاعلة في تهيئة المجتمع قديماً وحديثاً، وكانت المرأة داعمة للوعي وساعية لتحقيق وجوده، حيث تضع إستراتيجية دخول العالم، وترسيخ وتربية مفاهيم الحياة والقيم والمبادئ، وتوجد الحلول الدائمة لأيّة معضلة في البدء ضمن إطار أسرتها، وهي الجريئة الساعية دوماً عبر الندوات والمحاضرات والمبادرات أن تتحدث عن العنف والتحرُّش والتميُّز المجحف بحقها في نواحي المجتمع وتفاصيله”.

بدأ أ.أوس أسعد مشاركته بمحاولة توضيح مفهومه للمرأة والمثقف اللذين يردان ضمن العنوان العام للندوة مؤكداً أن فيهما شيء من الالتباس: “مفهوما المرأة والرجل إشارتان ثقافيتان لمصطلحَي المؤنث والمذكر حين يُنظر إليهما بالمعنى الإنساني الحضاري المتكافئ لقطبي معادلة الوجود البشري بتجرد عن المكانة الاجتماعية المتردية التي حول فيها المؤنث المجرد تابعاً للمذكر، في الوقت الذي أطرت فيه المرأة ضمن الحالة البيولوجية الضيقة كحاضنة للإنجاب واقتصار دورها على العمل البيتي فقط، والذي تدعو الأعراف والقيم الموروثة للمحافظة عليه بشراسة”.. ويضيف أسعد قائلاً: “مفهوما الرجل المرأة توصیفان ثقافيان للذكورة والأنوثة حين يلجان بوابة الفعل والإنتاج المعرفي والثقافي كشريكين متساويين، وربما يتفوق أحدهما على الآخر حسب الكفاءة والميزات الشخصية وغيرها، وهذا يساهم بتوضيح مفهومي المرأة المثقفة والرجل المثقف، المرأة المفكرة والرجل المفكر، المرأة القائدة والرجل القائد، ولن أدخل في التنظيرات والجدل الكثيف الذي قيل بهذا الشأن حول مفهوم المثقف، لكنني سأشير إلى أنه قد تبدل بشكل جذري، وهنا سأستعير توصيف المنظّر الإيطالي غرامشي لمفهوم المثقف والذي قال أن كل الناس مثقفون، ولكن ليس لهم كلهم تأدية دور وظيفة المثقف في المجتمع” ليختتم أسعد كلامه، مؤكداً أنه لن يكون للمرأة دورها الحقيقي في النهضة المجتمعية ما لم تتجرأ على كسر تابواتها وقيودها المادية والنفسية التي حوّلتها إلى شخص خائف مستلب الإرادة والفعل، ولن يحدث ذلك قبل الخروج من الشرنقة، أو قبل كسر الجدار النفسي الداخلي كما الخارجي الذي تسانده الأعراف المسيطرة، مستشهداً بما قالته الكاتبة الروائية اللبنانية الشابة حنين الصائغ في روايتها “ميثاق النساء”: “كنتُ في كل مرة أسمع أبي يصرخ أو يؤنب إحدى أخواتي أصاب بحالة تشبه الخرس فأقف بجانب أقرب حائط محاولة التماهي معه وكأنني غير موجودة، في حين حطمت نورا بطلة مسرحية “بيت الدمية” هذا الجدار حين خرجت من مؤسسة التبعية الزوجية، وأغلقت الباب خلفها إلى غير رجعة، وكذلك فعلت نوال السعداوي في كتبها ورواياتها المهمة ومواقفها الجريئة المشهودة والمعروفة رغم ما أودت بها من تطرف بخصوص قضية المرأة، وكما جاء في دعوة أسطورة ليلييت في الحفاظ على حق المرأة والرجل أيضاً، وهي ليست دعوة للمساواة السياسية والاجتماعية والثقافية بمقدار ما هي دعوة إلى الحرية، فالمطالبة بالحقوق مطالبة بالحرية، ولا حرية مع وجود الحقوق المغيبة، وقد توافق على أنها أسطورة من نسج الخيال كما يقول الباحثون في التاريخ، لكننا سنرى أن هذا الخيال بالذات يقدم لنا الواقع بأصدق مما قدمه المؤرخون الذين كتبوا عن الإناث، والحقيقة التي هي حبيسة الأسطورة بحاجة فقط إلى من يحررها من سجنها التاريخي لتغدو واقعا لاريب فيه”.