“الفتوة” رجعت!
غسان فطوم
حسناً فعلت وزارة التربية بإحداث شعبة “الانضباط المدرسي” ضمن المعاهد الرياضية التابعة للوزارة، وهو المقترح الذي وافق عليه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة أول أمس. وبحسب “التربية”، يأتي “الإحداث” بهدف تأهيل كوادر قادرة على توجيه سلوكيات الطلاب لتنمية حسّ المسؤولية والانضباط لديهم، واحترام هيبة المعلم والالتزام بتنفيذ القوانين التربوية بشكل تلقائي، وتهيئة بيئة حافزة داخل المدرسة.
وبالنظر إلى واقع الفوضى في عدد من المدارس، نجد أننا تأخرنا كثيراً في هذا الإجراء الانضباطي، قياساً بالمدة الطويلة التي مضت على إلغاء حصة “الفتوة”، والذي كان بنظر التربويين إجراء خاطئاً؛ فبعد الإلغاء تحوّلت الكثير من المدارس إلى “حلبات مصارعة” بين الطلاب داخل القاعات وخارجها، بل وصل الأمر إلى حدّ التعدي على الأساتذة وإيذائهم جسدياً ولفظياً ومعنوياً في ظلّ غياب الضوابط الرادعة للطلبة، وخاصة بعد أن تمّ منع الضرب. وهذا “المنع” ما زال لغاية اليوم يثير جدلاً في الوسط التربوي، بين رافض له ومؤيد بشدة لاستمراره وفق ضوابط معيّنة، ولكلّ مبرراته، ووسط “دوامة” الجدل بات المعلم لا يعرف كيف ينهي حصته حتى يهرب حفاظاً على كرامته وهيبته التي كُسرت بعد أن تمّ تهميش صلاحياته!.
في هذا السياق، يعلم جيل السبعينيات وحتى نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي أنه لم يكن أحد من الطلبة ليجرؤ على إهانة أو التقليل من احترام معلمه، أو الدخول إلى حرم المدرسة، وحين الخروج إلى باحتها وهندامه غير مرتب، أو شعره طويل، أو شارة الصف على كتفه غير واضحة، وغير ذلك من الضوابط التي كانت تُحترَم من الطلبة، بل ويهابونها، أما اليوم فحدّث لا حرج، فقد وصل الأمر حدّ الخروج عن كلّ الضوابط وارتكاب أخطاء ومخالفات خارجة عن المألوف، كإدخال بعض الأدوات الحادة إلى داخل المدرسة، وقيام بعض الطلبة بنشر صور الاعتداء على المعلمين، وعلى زملائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأمام أي جيل بتنا نحن؟!
قلنا سابقاً، ونعود اليوم للتأكيد، أن مدارسنا تحتاج للمزيد من الضبط من خلال إعادة النظر في العقوبات، والإكثار من حصص التوعية والإرشاد النفسي، فخلال 13 عاماً ولد جيل من رحم الأزمة ينقصه الكثير من الأخلاق والقيم، والتي ساهم في إفسادها غياب رقابة الأهل، وخاصة على الأجهزة الذكية التي يحملها أبناؤهم، والمؤسف أن بعضهم يتباهى أنه أهدى ابنه أو ابنته أحدث الأجهزة!
بالمختصر، خطوة وزارة التربية إيجابية جداً، ونعوّل عليها بوضع حدّ للطلبة العدوانيين وغير المبالين. ولا شكّ أن جهود الوزارة وحدها غير كافية، فهي تحتاج للمساعدة، وأهمها من الأسرة، فمن المفروض أن يكون الطالب منضبطاً في بيته قبل أن يأتي إلى المدرسة لتلقي العلم، عدا عن أهمية دور الإعلام التربوي، ودور أية جهة ذات علاقة بهذا الشأن المهمّ، فالهدف أولاً وأخيراً الوصول إلى قاعة صفية يسودها الهدوء، من خلال تعزيز سلوكيات الطلاب الإيجابية وتأديب العدوانيين منهم، وتقديم وجبة تعليمية في أجواء مثالية!