واشنطن… والإرهاب الفكري
تقرير- بشار محي الدين المحمد
منذ مدة والعالم يشغله الحديث فيما أفضت إليه النتائج شبه الأولية لمعركة الوصول إلى البيت الأبيض، لتتأجج الآن بمسألة، من له مصلحة في اغتيال المرشح ترامب، ومن المستفيد الفعلي منها- كما كان مرسوماً لو نجحت، وليس كما تحقق بعد أن فشلت-؟
نعلم أن الرئيس الأمريكي السابق داعب أفكار الرأي العام الأمريكي، ومعه الرأي العام الأوروبي بمجموعة دعايات انتخابية- هي بالتأكيد تبقى برنامجاً انتخابياً ولم ولن يطبق على أرض الواقع- لكن الملاحظ أن ترامب أسرف بطرقه الشعبوية تلك في المسّ، حتى ولو لفظياً وتخيلياً، بثوابت المحور الأنغلوساكسوني الطامع بالمزيد من الحروب والدمار، وخاصةً على الجبهة الأوكرانية، بالتزامن مع توترات في محيط الصين وكوريا الديمقراطية الشعبية والشرق الأوسط وغيرها من الجبهات التي تقبع على صفيح ساخن مدجج ببراميل بارود على حافة الانفجار.
وعلينا أن نلاحظ أن تصريحات بعض متزعمي نظام كييف النازي المتطرّف: إن لـ”أوكرانيا الحق في اغتيال ترامب”، وما يتم الحديث عنه بالتوازي من فرضيات حول “تورط نظام زيلينسكي في محاولة اغتيال المرشح الجمهوري”، لم يأت من فراغ، والغالب في الأمر أنها محاولات تهديد وتحذير قوي لهذا المرشح أو غيره بعدم الجنوح إلى أي مسار قد يغير أفكار الرأي العام ضمن أمريكا، أو يهيجه أكثر مما هو عليه ضدّ سياساتها المتهورة في إشعال وإذكاء التوترات عبر العالم مع إدارتها لأطول أمد ممكن من الإدارة الأمريكية، وبما يضمن لها تدخلاً وتبعيةً هنا وهناك.
ولو بحثنا في نتائج عملية الاغتيال الفاشلة، والتي هي بلا شكّ قد صبّت في صالح تأجج شعبية ترامب وتدهور شعبية نظيره، يبقى السؤال، ماذا لو لم يحرّك الرئيس الأمريكي السابق رأسه وطالت الرصاصة دماغه؟.. بالتأكيد ستكون النتيجة هي التخلص مما قد “يورط” به ترامب الرأي العام الأمريكي من أفكار مناوئة لمحور الشر الذي تسير الإدارة الأمريكية على نهجه من جهة، وإنهاء الحياة السياسية لنظيره بايدن الذي يعاني ما يعانيه من تدهور في الصحة العقلية، ويسدّ في الوقت نفسه الطريق على غيره من المرشحين الديمقراطيين من جهةٍ أخرى. ولا ننسى هنا أن مريدي ترامب في السباق الرئاسي السابق اقتحموا الكابيتول لشكوكٍ في تزوير نتيجة الانتخابات، ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يقدم عليه هؤلاء في حال وقوع حدث مثل “اغتيال متزعمهم برصاصة”.
إذاً فالسياسة الأمريكية تثبت للجميع، بمن فيهم ضعفاء النظر، أنها لم تعد تعبأ، ليس فقط بالأمن الجماعي والاستقرار لجنوب العالم، ولا حتى لأشد “حلفائها” في أوروبا وآسيا- الهادئ، بل حتى لحال المجتمع الأمريكي المقسوم المأزوم ذاته، فهي تصعّد أساليب احتلالها للجميع بلا استثناء، وتمصّ دماؤهم دونما تمميز، وسلاحها الأول هو العبث بكل أمان: “الرعاية الصحية، سلاسل توريد الغذاء وغيره من المواد، أمن الطاقة، وحدة المجتمعات..”، ولا مشكلة في أن يطال ذلك العبث والتدهور حتى المجتمع الأمريكي، إن رفض لهذه السياسة الخرقاء، القلقة على تراجع “إمبراطوريتها” حتى لو كان عبر رأي.