ثقافةصحيفة البعث

“هنائيات” سردية الشعر والحكاية والومضة

أمينة عباس    

يحمل كتاب “هنائيات” الصادر حديثاً للشاعرة هناء داوودي، والذي احتفت به ووقَّعتْه، مؤخراً، بالمركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” الكثير من معاني اسمها غير إطلالتها به على الحب والوطن.

وقال الكاتب أيمن الحسن: “العنوان موفق في ظرفه، فنحن في هذا الوطن عشنا ويلات الحرب، وآن الأوان لأبنائه أن يكتبوا عن الحب والفرح والغزل، وتجاوزت الكاتبة ذلك لتكتب عن الوطن أيضاً وعن غزة، وهو ليس بجديد على الكتّاب السوريّين، كما أدانت داوودي الحرب وتحدثت عن الشهيد، فالشهيد في أحد نصوصها “لم يمت” ليكون الكتاب بذلك متنوع الموضوعات”.

ويضيف الحسن: “لم تصف الشاعرة الكتاب بالديوان أو المجموعة الشعرية، إنما كتبت على غلافه أنه مجموعة نصوص، والنص ليس أقل قيمة من القصيدة أو القصة أو الرواية، بل هو أرقى منها حسب تصنيف النقد الحديث، وقد لمستُ في نصوص الكتاب سردية جميلة تقارب بين الشعر والحكاية”.

وتوقفت الدكتورة آداب عبد الهادي أيضاً عند توصيف الشاعرة لكتاباتها بالنصوص: “هي حالة جديدة للشاعرة، ربما تهرباً من ورطة الشعر، وهي التي كان لديها الكثير لتقوله في هذه النصوص، فجاءت نصوصاً عاطفية ووجدانية، لها علاقة بالحب والفراق وانتصار الأنثى من دون غياب الوطن عنها، وقد تخللتها نصوص نثرية وشعرية تميزت فيها داوودي باستعاراتها واستخدامها المطلق للصور، وأنا أغبطها على ما كتبته، وقد لمستُ صدق كلامها ومشاعرها”.

ولم يخطر ببال الدكتور عبد الله الشاهر أن يقرأ نتاجاً أدبياً كهذا للشاعرة هناء داوودي، وكان تصوره عن نصها الشعري كما عهده محكوماً بالنظم والقافية: “فاجأتني هنائياتها، فهنيئاً لها على هذه الهنائيات، وعلى هذا الانتقال الكبير الذي أراه يشكل قفزة في الوعي والإبداع، فالشعر لا يمكن تأطيره أو قولبته.. إنه وحي عاطفة جالت في النفس فتحولت إلى لغة”، ويتوقف عند النص المتشائم الذي افتتحت به الكتاب، وفيه تقول: “لا رصيد في عمري، وها أنذا أنوء بخيبتي”.

فيخاطب داوودي: “لماذا افتتحتِ كتابك بنص متشائم، وعنوان الكتاب هنائيات والهناء صفاء العيش الخالي من القلق النفسي والتوتر الذهني، وهذا التعريف لهناء واحد فكيف إذا كان لهنائيات؟”، كما توقف ملياً عند ومضاتها في الحب والغزل بصورها الناصعة التي لا لبس فيها: “تمتلك النصوص لغة جميلة مساوية للحالة ومتعدية في التأثير، وقد تحررت الشاعرة من أسر النظم والالتزام بالقافية وانحازت في نصوصها لصالح الفكرة التي أراها قد نجحت فيها”.

وتعترف هناء داوودي في تصريحها لـ”البعث” باختلاف هذا الكتاب عمّا سبق وكتبته في مجموعاتها الشعرية الأربع السابقة، قائلة: “لكل منها خصوصيته، لكن هذه المجموعة عبارة عن ومضات لحظية، وأنا أكتب هذا الشكل من أربع سنوات، ولم أفكر بنشرها إلا عندما أصبح عددها كبيراً”.

وتضيف: “شعر الومضة يعتمد على التكثيف وعنصر الدهشة لفكرة لحظية طازجة، وقد برز هذا النوع من الشعر في السنوات الأخيرة لأن القارئ بات يميل إليه كشكل من أشكال مجاراة عصر السرعة ونفاذ صبر القارئ، وبالعموم لا أتقصد كتابة الومضة، ولا يهمني نوع الجنس الأدبي الذي أكتب فيه، فكل ما يعنيني أن أوصل فكرتي بطريقة جميلة وبسيطة وبإيجاز وشكل عميق في الوقت ذاته، لذلك توصف كتاباتي بالسهل الممتنع”.

وعن سبب ابتعادها عن نظم الشعر المقفى، تقول: “أجيد نظم المقفى بحكم دراستي، ومن خلال تجربتي فيه وجدتُ نفسي أقدر على إيصال أفكاري والتعبير عنها من خلال قصيدة النثر، ومع هذا وعلى الرغم من أن هذا الكتاب هو الخامس في مسيرتي الكتابية، ولدي ديوانان قيد الطبع وثلاث مجموعات مشتركة، لكنني مع ذلك لم أعبّر عمّا بداخلي ولم أشعر أنني أوصلتُ ما أريده”.

أصدرت هناء داوودي أربع مجموعات شعرية هي “ترانيم الياسمين”، و”أنثى المطر”، و”وشاية عطر”، و”نواقيص الأمنيات”، أما “هنائيات” فهي من منشورات “دار بعل” بدمشق.