الخطايا الثلاث لمجتمع الاستخبارات الأمريكي
عناية ناصر
أجرى فريق تحقيق مشترك يتألف من المركز الوطني للاستجابة لحالات الطوارئ الخاصة بفيروسات الكمبيوتر، والمختبر الوطني لهندسة تكنولوجيا الوقاية من فيروسات الكمبيوتر، ومجموعة 360 للأمن الرقمي استعادة بانورامية لحملة التشهير التي شنتها الولايات المتحدة على الصين، والتي تم فيها تصنيف منظمة “فولت تايفون” الخيالية على أنها “مجموعة قرصنة برعاية الدولة الصينية”.
ومن بين التفاصيل التي تم الكشف عنها، ظهور مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي وفريقه بشكل متكرر وارتكابهم “ثلاث خطايا” على الأقل ضد أشخاص في الولايات المتحدة وحول العالم.
“الخطيئة” الأولى، هي خداع الكونغرس الأمريكي من أجل الحصول على ميزانية ضخمة. وبحسب المعلومات التي تم الكشف عنها، فإن نظام الاستخبارات الأمريكي يتألف من 18 منظمة، من بينها “وكالة الاستخبارات المركزية”، و”وكالة الأمن القومي”، و”مكتب التحقيقات الفيدرالي”، وهي الوكالات الأكثر “شهرة”، وبميزانية سنوية مجتمعة تزيد عن 34 مليار دولار. وتتولى وكالة الاستخبارات المركزية مسؤولية الاستخبارات الأجنبية والعمليات التخريبية السرية. وتشارك وكالة الأمن القومي، التابعة لوزارة الدفاع، بشكل رئيسي في مهام الاستطلاع الإلكتروني. ويتولى مكتب التحقيقات الفيدرالي، بصفته وكالة تابعة لوزارة العدل، المسؤولية الرئيسية عن مكافحة التجسس ومكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، وميزانيته ونفوذه أقل من ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي. وكانت الميزانية الإجمالية لمكتب التحقيقات الفيدرالي في السنة المالية لعام 2019، تقدر بنحو 9.6 مليار دولار، بينما كانت ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية في وقت مبكر من عام 2013 نحو 15 مليار دولار.
ولتغيير هذا الوضع، لم يتردد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي راي، الذي عينه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ولا يزال في إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، في الإدلاء بتصريحات كاذبة أمام الكونغرس الأمريكي. فمن أيار 2023 إلى كانون الثاني 2024، واصل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالات الاستخبارات الأخرى ترهيب الكونغرس من خلال تقديم “معلومات استخباراتية” تتعلق بمنظمة “فولت تايفون” الخيالية، واستمر راي في توجيه أصابع الاتهام إلى الصين. وفي 31 كانون الثاني الماضي، زعم كذباً أن قراصنة صينيين كانوا “يستهدفون” البنية التحتية المهمة مثل شبكات الاتصالات والنقل وأنظمة معالجة المياه، وأنه بمجرد شن الهجوم، فإنه سيتسبب في أضرار جسيمة للأمريكيين.
يلاحظ من خلال الحكم على النتائج، أن راي ومكتب التحقيقات الفيدرالي قد استفادوا كثيراً من مثل هذه الاتهامات في السنوات الأخيرة، حيث زادت ميزانية مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2024 إلى ما يقرب من 11.386 مليار دولار، بزيادة قدرها 18.6 في المائة عن عام 2019؛ كما زادت الحكومة الأمريكية ميزانيتها المخصصة للأمن السيبراني في السنة المالية 2025 بنسبة 10%، لتصل إلى 13 مليار دولار.
“الخطيئة” الثانية التي ارتكبها كريستوفر راي هي الترويج غير العادل لـ”نظرية التهديد الصيني” لتوسيع صلاحيات مكتب التحقيقات الفيدرالي والحفاظ على الأساس القانوني لـ”مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي دون إذن” على الشعب الأمريكي ، وذلك وفقاً للمادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، حيث يسمح هذا القانون لوكالات الاستخبارات الأمريكية بإجراء مراقبة إلكترونية للأشخاص غير الأمريكيين الموجودين في الخارج دون أي إذن طالما كان ذلك باسم “الأمن القومي”. في تشرين الثاني 2021، صرح الناشط الجمهوري المخضرم روجر ستون “لدينا مجموعة من البلطجية المسيسين في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين يستخدمون مكتب التحقيقات الفيدرالي … كـ غيستابو شخصي لجو بايدن”.
كما أظهرت استطلاعات الرأي أن 46 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أيدوا هذا البيان في ذلك الوقت، وهو رقم ارتفع لاحقاً إلى 53 في المائة.
لقد كانت المراقبة الداخلية مصدراً مهماً للتأثير على مكتب التحقيقات الفيدرالي، فضلاً عن كونها رافعة مهمة لتعاونه مع مجموعات رأس المال المالي الأمريكية. تم سنّ المادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية في عام 2008، تزامناً مع الأزمة المالية العالمية . كما أن لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي سجلات في مراقبة وملاحقة المواطنين الأجانب المشتبه في ارتكابهم جرائم تجارية، مما يعود بالنفع على الشركات الأمريكية. ومنذ عام 2020، زعم راي مراراً وتكراراً أن “الاختراقات السيبرانية” الأجنبية تهدد الأمن الاقتصادي والأمن القومي للولايات المتحدة، ويفتقر مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المساعدة من أصحاب الأعمال الصغيرة والحكومات المحلية الأمريكية، مما يعيق جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي لمكافحة “أنشطة القراصنة”.
وبدفع من راي ووكالات استخباراتية أخرى، تم تمرير المادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية في 19 نيسان، والتي تهدد بشكل خطير خصوصية المواطنين الأمريكيين والأجانب، لتستمر لمدة عامين . وكان هذا بمثابة إعادة تفويض ثانية لهذا القانون خلال فترة تولي راي لمنصبه.
“الخطيئته” الثالثة، ومن منطلق الاهتمام بإيقاظ الوعي العام والخوف من فقدان الهيمنة أحادية القطب، لجأ راي إلى اختلاق الشائعات المتعلقة بالصين، وخداع الشعب الأمريكي. فكلما راقب مكتب التحقيقات الفيدرالي خصوصية الناس، كلما اكتشف خيبة الأمل الشديدة التي يشعر بها الشعب الأمريكي تجاه الحكومة، مما دفعه إلى خداع الناس والمبالغة في ما يسمى “التهديد الصيني”.
وباعتبارها موطن تكنولوجيا الإنترنت، اعتمدت الشركات الأمريكية مثل “مايكروسوفت” و”سيسكو “و”نتجير” على التكنولوجيا المتقدمة للهيمنة على العالم، في حين لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في الحرب الإلكترونية الأمريكية. ولكن مع تباطؤ التنمية في الولايات المتحدة، وبدلاً من البحث عن الأسباب الداخلية، بدأت الولايات المتحدة في تضخيم “التهديد الصيني” خوفاً من انهيار هيمنتها أحادية القطب.
إن راي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يتزعمه ينفذان بالكامل إرادة صناع القرار في الولايات المتحدة، فيختلقان شائعات مختلفة لتشويه سمعة الصين، ويحاولان تحويل انتباه الشعب الأمريكي وتقديم الدعم للمشرعين الذين يسعون إلى الحصول على الأصوات من خلال تقديم موقف معاد للصين.
إن “الخطايا الثلاث” التي يرتكبها راي ومكتب التحقيقات الفيدرالي هي في الواقع صورة مصغرة لمجتمع الاستخبارات الأمريكي بأكمله. كما أن المدير السابق لوكالة الأمن القومي بول ناكاسوني، ومديرة وكالة الأمن السيبراني، وأمن البنية التحتية جين إيسترلي من الشخصيات البارزة في تشويه سمعة الصين لتحقيق مكاسب شخصية.
إن وكالات الاستخبارات هذه إما تابعة للحكومة أو تخدم الجيش، لكن جوهرها هو خدمة الولايات المتحدة، فضلاً عن القوة فوق الوطنية وراء واجهة الديمقراطية الأمريكية – مجموعة رأس المال المالي الأمريكية. وبهذا المعنى، فإن أمريكا “مريضة” ومصابة بجنون العظمة والهستيريا، لكن “سبب” المرض ليس الصين، بل شياطين أمريكا نفسها.