نازك مسوح: استهوتني “الومضة” ووجدت في “النّثر” مسرحاً جديداً لخيالي
طرطوس- هويدا محمد مصطفى
وأنت تجوب في فضاء حروفها، تجد أنك أمام شاعرة تمتلك ناصية الحرف بكلّ أدواته وألوانه، تكتبُ قصيدة النثر بصور جمالية ولغة كثيفة المعنى، وتقترب من الواقع والطبيعة التي وظفتها في لغتها الشعرية من خلال الإيحاءات والدلالات التي تضفي على نصوصها الشعرية مفاتيح تميّزها عن غيرها، هكذا الشاعرة نازك مسوح تبحر كأنثى من نور الحياة لتوقظ الحروف من غمد النعاس.
عملت مسوح مدرّسة لمادة اللغة العربية، ولها الكثير من المنشورات والمشاركات الأدبية والأعمال قيد الطباعة، ولكونها مدرّسة لغة عربية جاء الشعر كموهبة، وكما يقولُ الشّاعرُ سليمانُ العيسى “الشّعرُ في رئتي” ترى مسوح “الشعر كالنّبعِ ينحتُ مجراهُ بينَ الصّخورِ، وعندما يجدُ المكانَ الملائمَ والظّروفَ المناسبةَ يتفجَّرُ عذباً رقراقاً، فالموهبةُ هي الشرطُ الأوّلُ والأهمُّ لأيِّ إبداعٍ، وفي الشّعرِ هي الخطوةُ الأولى في رحلةِ الألفِ ميل، لكنّ الموهبةَ وحدَها لا تكفي، إنها تحتاجُ إلى بيئةٍ مناسبةٍ وصقلٍ عن طريقِ المطالعةِ والقراءةِ، ثمّ يأتي النّقدُ البنَّاء ليكمل ويوضِّح الصّورةَ هو تماماً بمثابةِ عمليَّةِ تجميلٍ للنّصّ”.
وعن الموهبة وعلاقتها باللغة والثقافة، تحدثنا: “الموهبةُ بذرةٌ زُرعَت في دواخلِنا، واللُّغةُ بيئتُها التي تحدِّدُ طريقةَ وأسلوبَ نموّها، وأمّا الثقافةُ فهي الهواءُ الذي تتنفّسه”، ومن خلال عملها بمهنةِ التّدريسِ لثلاثةِ عُقودٍ تقريباً. تشير مسوح إلى أن التعامل مع اللّغةِ ومفرداتِها الغزيرةِ والاطِّلاعِ على قواعدِها وإيصالِها بشكلٍ مُحبَّب إلى طلابها أمورٌ أخذَت كلَّ اهتمامها وزادَتها خبرةً وأثرَت خزّانها اللّغويّ، بالإضافةِ إلى تأثُّرها بوالدها معلِّمها الأوَّلُ وقدوتها الحسنةُ.
وعن الكتابةَ باكراً، تقول: “لي كتاباتٌ كثيرةٌ لم أنشرها، عندما كنتُ في الصَّفِّ الرَّابعِ شاركتُ بمسابقةِ الرّوّادِ “التّعبير”، وفزتُ على مستوى المنطقة، وبدأتُ النّشرَ في وقتٍ متأخِّرٍ منذُ أربعِ سنواتٍ تقريباً”.
توثر الطبيعةُ بها إلى حدٍّ بعيدٍ، لتكون الملهم الأول، فتقول: “أجدني أسيرَتها أرنو بعينِ العشقِ لجبالها والوديان، أطرب لزقزقةِ عصافيرِها، وتدفقِ أنهارها والغدران، بيني وبينَ الصّبحِ عهودٌ ومواثيقُ، أهرولُ إليهِ بجوعٍ مزمنٍ ويسارعُ إليَّ لتقديمِ ما لذَّ وطاب”.
وعن سؤالنا حول نجاح الشعراء الذين كتبوا بلسان المرأة وصوروا مشاعرها، تجيب مسوح: “المرأةُ بطبعِها كائنٌ حسّاسٌ جميلٌ قابلّ للكسرِ كآنيةِ فخَّارٍ مملوءةٍ طيوباً تزينُ الأماكنَ، وحتى عندما تُكسرُ تغمر الكون بروائحِها الفوّاحة، لذلكَ أظنّ أنّهم وإن نجحوا بالكتابةِ عنها فنجاحُهم نسبيّ، لا أحدَ أقدرُ على تصويرِ المرأةِ ومشاعرِها، وفكّ الشيفرةِ لألغازِها أكثر من المرأة.”
وعن النمط الذي تكتبه، تقول: “استهوتنِي في البدايةِ النّصوصُ القصيرةُ “الومضة”، وسكبتُ من خلالِها عصارةَ فلسفتي الحياتيّة، وخبرتي ومهاراتي اللُّغويّة، وهي وليدةُ اللّحظة، تأتي عفوَ الخاطر، شبّهتها سابقاً بحبَّاتِ اللّؤلؤِ إن بقيت في محاراتِها لا قيمةَ لها، إنّها تحتاجُ إلى غوَّاصٍ ماهر، يخرجُها من ظلامِ القاعِ لتبصرَ النُّور، وإليكم إحداها “أيّها الصبحُ؛ أَوَلستَ ابنَ ذُكاء؟/ فلِمَ تخشى لهيبَ الأنفاسِ لزهرةٍ برِّيَّةٍ أثقلَها الحنين؟”، ولاحقاً انتقلتُ إلى كتابةِ النُّصوصِ الطَّويلة “قصيدةِ النّثر”، ووجدتُ فيها مسرحاً جديداً لخيالي مستفيدةً من خبرتي في التّكثيفِ والتصويرِ والحفاظِ على الفكرةِ الواحدة، وكرّستُ فيه ثقافتي المتنوِّعة”.
وترى مسوح أن على الكاتب التّميز بخطة يصنعها لنفسه، فتقول: “اللهُ ميّزَنا بنعمةِ العقلِ عن سائرِ المخلوقات، ومنحَ لكلّ إنسانٍ شخصيَّتهُ التي تميّزُه عن الآخرين، فمن الطّبيعيِّ أن يسلكَ كلٌّ منّا طريقَهُ بالوسيلةِ التي تناسبُ إمكانيّاتهِ ومهاراتِه.. أنا شخصيّاً أجدُ نفسي في الكتابة، وأشعرُ بأنّها تحرّرُني من سجنِ ذاتي وتطلقُ لي العنانَ للتّحليقِ عالياً وبعيداً، وفي كثيرٍ من الأحيانِ تبلسمُ جراحاتي المختلِفة”.
وعن تأثير الواقع في كتابة نصوصها الشعرية، تقول: “كلّ ما أكتبُه هو انعكاسٌ لواقعي وإنسانيَّتي، وأقربُ ما أكونُ إلى المرآة، دأبي نقلُ الصُّورةِ الحقيقيَّةِ الصادقةِ من دونَ تضليلٍ أو تشويه، وحتّى نكونَ حقيقيّينَ علينا أن نكونَ واقعيّين نكتبُ بلسانِ حالنا وإلَّا فنحنُ مزيّفونَ، ولا قبولَ لأفكارِنا، بالتالي نحنُ معرّضونَ للسّقوطِ المدوِّي في أوَّلِ حفرة”.
ومازالت هناك قصيدة تختزن الذاكرة حسب قولها: “لي قصيدةٌ حديثةٌ أصوِّر من خلالِها تساؤلاتي الوجوديّة، أشعر أنَّها تلامسُ وجداني هي “عزلةُ الصوفيَّةِ الأخيرة”.
تساؤلاتٌ كثيرةٌ
تقتحمُ عليَّ عُزلةً منزوعٌ فتيلُها،
تُزلزلُ عنفواناً لا مظلةَ لهُ،
تستبيحُ آخرَ حصوني،
تحلِّقُ بي عالياً نحوَ الغمامِ..
تعيدُني إلى أسافلِ الأرضِ
بذرةً تحلمُ بمطرٍ يبلِّلُ أردافَها بحنان،
يحملُها خارجَ الصُّندوق..
تساؤلاتٌ كثيرةٌ تحمِلُني
بينَ ذراعيها
كمحارةٍ بجديلتين أعياها الرَّحيل
فبحثَت عن شاطئٍ أمين،
تهبُهُ جُمانَها…
أما مشاركاتها الأدبية فكان لها تجربة المشاركةِ في ديوانِ “أغاني عشتارَ الجزء الثالث” بقصيدتها الأولى “على سراطِكَ أرتمي”، كما شاركت بموسوعةِ الشعرِ الفصيحِ في وادي النّضارة بخمسة نصوص، هي: “هروبٌ مؤجَل” و”لا لن أحزن” و”أحلِّق وأرسمكَ قصيدة” و”تأشيرةُ دخول” و”خزائنُ الروح”.
وحول مجموعاتها القادمة، تقول: “أعملُ الآنَ على إخراجِ مجموعتي الأولى وتتضمَن أكثرَ من سبعينَ قصيدةٍ نثريَّة، ستُبصرُ النورَ قريباً، ولديّ أكثر من مئتي ومضةٍ أيضاً سأعملُ على إخراجها للضوء، وأنا ما أزال في رحلةُ البحثِ عن الذات، وهي رحلةٌ طويلةٌ وشاقَّةٌ، وفيها الكثيرُ من العقباتِ والمشقّات، لكن أشعرُ دائماً بأنّني مازلتُ في أوَّل الطريقِ، وعليّ أن أعملَ أكثرَ وأضحّي للوصولِ بقاربي إلى شواطئَ أكثر أماناً وطمأنينة وسلاماً”.