إذ ترسّخ “الثمانون” السورية – الروسية المبادئ والكرامة
أحمد حسن
ثمانون عاماً هي عمر العلاقات الدبلوماسية بين سورية وروسيا الاتحادية؛ وبالطبع يمكن للبعض القول: وماذا في ذلك، فهناك علاقات أكبر وأطول عمراً بين دول أخرى؟ وإذا كان في هذا السؤال بعض الصحةـ إلّا أن تاريخ العلاقة هذه منظوراً إليه من جهة مجريات الحاضر ووقائعه تشي بتميز هذه العلاقات – وهو الأمر الذي دفع بكتاب غربيين لوصفها بعلاقة توءم تربطهما خيوط متشابهة – لأنها قامت على أمرين متلازمين واستمرت تعيش وتنمو على هديهما، وهما “المبادئ” و”الكرامة رغم تعرضهما لكل أشكال الضغوط ومحاولات الإخضاع وكسر الإرادة” كما قال السيد الرئيس بشار الأسد في رسالة التهنئة بهذه الذكرى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هنا، وانطلاقاً من هذين المبدأين الذين تضافرت جهود البلدين خلال الثمانين عاماً الماضية لترسيخهما كمنطلق أساس ليس في علاقتهما فقط بل في العلاقات الدولية أيضاً، كانت الكلمة الفصل في حراكهما وتبادلهما الدعم – سواء الدبلوماسي أم العسكري – في مواجهة الظلم والعدوان “هي للثبات لا للتراجع والانهزام”، الأمر الذي جعل من الاستقلالية السورية مشعلاً ومنارة للبلدان الطامحة للكرامة، وجعل من روسيا الاتحادية محرّكاً أولاً وأساسياً في سياق محاربة الأحادية القطبية والتأسيس لعالم متعدد الأقطاب، والأهم أنه جعل من البلدين معاً ركناً لا يمكن الاستغناء عنه في نهج تعزيز السلام والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
وبهذا الإطار، نقرأ التناغم الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي والتعليمي التاريخي بين البلدين، فروسيا التي أعلنت في خمسينيات القرن الماضي أنها لن تسمح -في إطار معركة حلف بغداد الشهيرة وتوابعها- بالاستفراد بسورية نفّذت ذلك فعلياً عام 2015 في إطار مواجهة العدوان الغربي-الإرهابي على دمشق، وسورية التي دعمت كل حراك موسكو لاستعادة أراضي الاتحاد الروسي وردّ عدوان حلف الناتو عليها عبر “الخاصرة الأوكرانية” كانت بوابة الاتحاد السوفييتي المفتوحة والمكلّلة بتاج “المبادئ والكرامة” نحو المنطقة العربية، وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون هي تحديداً من حقق الحلم الاستراتيجي القديم لكل حكام روسيا الوطنيين بالوصول إلى المياه الدافئة، بعد أن امتزجت دماء الشعبين في مواجهة الحرب الإرهابية الأخيرة.
بهذا المعنى كانت “المبادئ والكرامة” هي الظاهرة المعلنة خلف كل مواقف الطرفين سواء ما يتعلق منها بعلاقتهما المشتركة، أو ما يرتبط منها بموقف كل دولة على حدة من التطورات والأحداث الدولية المتلاحقة، ذلك ما يكشفه مثلاً موقفهما المشترك من المجزرة الإسرائيلية – الأمريكية المستمرة في الأراضي الفلسطينية، سواء في إدانة المجزرة أو العمل على إيقافها، والترحيب بكل ما من شأنه إنهاء الاحتلال وتصفية تبعاته، كما يؤكده وقوفهما معاً خلف كل ما من شأنه إعادة الألق إلى القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة في تنظيم العلاقات بين الدول.
خلاصة القول، على مدى عقود طويلة أسس الشعبان روابط متينة بُنيت على الثقة والتفهم المتبادلين، وقدما معاً صورة مدعّمة بـ”خبرة ثرية للتعاون الثنائي” يجدر بالدول الأخرى أن تقتفي أثرها وتنسج على منوالها، وإذا كانت علاقتهما قد بلغت اليوم الثمانين من عمرها فإنها وهي تبدو أقوى وأمتن -على مستوى القاعدة والقمة- تبدو أيضاً أينع شباباً وأعمق أملاً في بناء مستقبل أفضل ليس لهما فقط، بل للمنطقة بأكملها وللعالم بأسره أيضاً.