“الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام” كتاب يصحح الرواية التاريخية والخطاب الخاطئ
أمينة عباس
تزامناً مع احتفالات الذكرى الـ 62 لعيد استقلال الجزائر، أطلق سفير الجزائر بدمشق الدكتور كمال بوشامة كتابه الجديد “الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام”، وذلك ضمن حفل أقيم في القصر الذي احتضن الأمير الجزائري في دمشق، وهو الكتاب الذي طبعه اتحاد الكتّاب العرب في سورية برعاية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وبيّنت الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة في تصريحها لـ”البعث” أن الكتاب يحيي نضال وفكر شخصية كبيرة وعزيزة على قلب الشعب الجزائري والسوري: “نحن سعداء بهذا الكتاب الذي سيعرفنا على تلك المرحلة التي رصدها بدقائقها وتفاصيلها بهدف تثقيف الأجيال الحالية وبناء فكرها وحسها الوطني عبر تسليط الضوء على شخصيات لها تاريخها النضالي العريق، والتي أثرت في أمتها وتاريخ شعبها كما الأمير عبد القادر الجزائري الذي له مكانة مرموقة في قلوب السوريين، وقد عاش بينهم بعد نضاله ضد الاحتلال الفرنسي في بلاده ومتابعته لهذا النضال في سورية بعد أن نفي إليها”.
وحيّا الدكتور محمد حوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور كمال بوشامة الذي لم يَشغلهُ عمله السياسي والدبلوماسي عن التأريخ لواحدة من أكثر المراحل أهمية في العلاقات السورية- الجزائرية، وكَشْف ما لحق ببعض قادتها وأحداثها من تشويه وتزييف، يقول: “تمتلك مبادرة الكاتب والدبلوماسي الدكتور كمال بوشامة مشروعيتها لتصحيح الرواية التاريخية وإحقاق الحق وإزالة الحيف، وتمكين الأجيال من امتلاك الحقائق، بدلاً من الأكاذيب التي حاول المستعمر ترسيخها لتشويه الذاكرة الجمعية وتدمير الهوية الوطنية عبر تشويه رمز من رموزها، من خلال سهام استعمارية تلقاها الأمير الجزائري تبارزت في تشويه صورة من لا يقف في صفهم، أو يتصدّى لعدوانهم، فلم يتوانَ بعضهم من اتهامه بالخيانة والعمالة لفرنسا وهو الذي أوقف الحرب حماية للجزائريين من الإبادة على يد المستعمر الفرنسي، والسلطان عبد الرحمن المغربي عام 1844م ومن ثم اتهامه بالماسونية، سعياً إلى تعطيل جهاده الوطني وكفاحه المستمر”، ويضيف: “حاول المؤلف بيان الحقيقة، معتمداً على الوثيقة والتحليل المنطقي وآراء شخصيات أسهمت في صناعة التاريخ الحقيقي، ونجح في ترتيب الكتاب على أساس من المعلومات التي أضافت على نحو واضح ما لم نعرفه من قبل لتكون ذاكرة الجزائر عامرة بالحقائق لا بالأكاذيب حول رجل له مواقف تاريخية يُعتد بها ستظلّ رصيداً له ولأمته، ولن تقلل من عظمتها تلك المحاولات المحمومة للنيل من مكانته كرجل سبق عصره، واقترنت أفعاله بالحكمة والسياسة حيناً وبالتهديد حيناً آخر، وهو الذي تصدّى للفرنسيين حين حضرت قواتهم لاحتلال بلادنا ورفض الاستجابة للمطلب الفرنسي في أن يكون ملكاً على بلاد الشام، لأنه كان رائداً من رواد الوعي والنضال، وورث أبناءه وأحفاده مبادئه، فساروا على خطاه في الجزائر وسورية وسواهما من الحواضر التي استقروا فيها، وهذا ما جاء في الكتاب بشكل مفصل ليكون إضافة تستحق القراءة والوقوف عندها لاستخلاص الدروس والعبر، وعندما نتحدث في هذا الكتاب عن هذه الشخصية الفاعلة فإننا نتحدث عمّا يجب أن نقوم به اتجاه رموزنا والشخصيات الفاعلة في مجتمعنا التي حاول المستعمر تشويهها”.
ويقدّم الدكتور كمال بو شامة كتاب الأمير عبد القادر الجزائري ضمن سلسلة “ذاكرة الجزائر”، ويكشف: “نحن الآن بأول جزء من الكتاب الذي اخترت له عملاقاً من عمالقة القرن التاسع عشر متبوعاً بأولاده وأحفاده وأبناء جاليته الجزائرية التي كانت وما زالت تعيش في الشرق الأوسط وفى سورية بالتحديد، لقد اخترت الأمير عبد القادر بن محي الدين الحسني الجزائري في مسيرته لأنه بحق مؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة الذي قدّم نموذجاً فريداً لزعيم مناضل قاد نضال شعبه وأمته للتحرّر من نير الاستعمار، وهو رجل الدبلوماسية الذي أدى دوراً مهماً لضمان مصالح أمته وشعبه في سباق موازين القوى الدقيقة لإمبراطوريات ذلك الزمان ودوله، وكان الرجل التقي الذي ضرب عميقاً في جذور الدين للوصول إلى ينبوع المحبة والتسامح، وأما دمشق التي كانت تشكل بحق حاضرة تحتضن في نسيجها المتناغم العديد من الأديان والثقافات والأصول، فقد أمست وطناً ثانياً له عندما حلّ بها مهاجراً في منتصف القرن التاسع عشر، لكن حياة رجل مثله في دمشق لم تكن لتمضي من دون أن تترك علامات وآثاراً مضيئة ومشرفة في تاريخ هذه المدينة، فسرعان ما انبرى مؤدياً دوراً مهماً في حياة الدمشقيين على المستويات كلها، إذ شغل فيها مكاناً مرموقاً وأصبح قصره في نواحي دمشق قبلة لأولئك الذين يلتمسون النصح في أمورهم ومشكلاتهم اليومية، ويرومون التنوير في سعيهم الروحي، فاحتضنت دمشق أفكاره وحلقات علمه التنويرية، التي هدف من خلالها إلى تعميق أسس التسامح والمحبة وتأصيلها، وهي التي تشترك فيها الأديان والمعتقدات كلها”، ويستطرد قائلاً: “يروي الكتاب حياة الأمير وحياة أولاده وأبناء الجالية الجزائرية في بلاد الشام من أجل تجنّب إغراق الشباب في سيل من المعلومات الخاطئة وتصحيح الخطاب الخاطئ الذي يعتمد على الكثير من الافتراءات والاتهامات في كثير من الأحيان، تلك التي تميل إلى إهانة أبطالنا الذين برهنوا على نضالهم وشجاعتهم خلال مراحل معينة من أجـل الحق والعدالة والحرية، أردت مخاطبة الشباب الذين يجب أن يهتموا، اليوم، أكثر من أي وقت مضى بتاريخهم الذي يخفي من الأحداث والحقائق ما يكفيهم أن يفتخروا به، ذلك التراث الذي يعطيهم كل الإرادة للمشاركة بشكل جماعي وبقناعة في تغيير وتحسين مفهومهم للمستقبل، والتخلص من أغلال الجيل التي تبعدهم عن الماضي المجيد في ظلّ مواجهة الهجمات المنظمة على رجالنا العظماء الذين صنعوا التاريخ، وأفضل طريقة للتصحيح إن لم تكن للقضاء على غباء بعض المنتقدين الذين ألبسوا الأمير وآخرين من وزنه الذين صنعوا التاريخ في بلادهم زي الخيانة فهي لاستحضار حقب كاملة من مسيرتهم ومسيرة ذويهم، ولهذا جاء هذا الكتاب ليقول الحقيقة عن وجود الجزائريين في الشرق الأوسط، فكان وجوداً فعّالاًً وملموساً طبعته روح ملتزمة مثلت بجدارة نضالهم منذ فجر التاريخ”.
يُذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور كمال بو شامة رجل ثقافة وعلم وسياسة، يكتب ويحاضر من دون انقطاع، له رصيد كبير من المؤلفات في ميادين السياسة والتاريخ والثقافة.