الملتقيات الفنية وبناء جسور المحبة وتلبية ذائقة المجتمع
السويداء- رفعت الديك
تنشط في محافظة السويداء ملتقيات فنية تحت عناوين متعدّدة ومتنوعة، وإن كانت جميعها تشارك بدور محوري، وهو بناء جسور المحبة والتواصل وتلبية للذائقة الفنية لأبناء المجتمع.
وإذا كان الفن الحديث ليس فناً عبثياً كما يعتقد البعض، بل فنٌّ منضبطٌ بإيقاع تناغمي، لذلك يتدخل العقل والشعور لدى الفنان في تركيب الألوان والمجسمات الهندسية وتجريد أشكال الواقع من ملامحها التشخيصية، لكي تظهر من دون أي تشخيص بقدر ما تركز بانسجام الخطوط وتنسيق منحنياته بأقصى درجات التنسيق عقلانية ووعياً، لإظهار المشاعر والأحاسيس والعواطف وبأسلوبٍ يفصحُ عن قناعات الفنان، ويرسل أشعته السحرية ذات الأبعاد الإيحائية الآسرة، كما يقول الفنان أكرم رافع الذي يشير إلى أن الفن هو فعل اجتماعي نتحدّى من خلاله الواقع، ويحفزنا للتعبير عن المشاعر والأفكار الصادقة، التي تتضمن تحديات ثقافية ومعاني لتصورات وتخيلات من مضامين الحياة الاجتماعية مكاناً وزماناً، حين نصيغها ونقدمها بخصوصية متفردة.
ويضيف رافع أن الفنان هو مرآة للمجتمع يبحث عن مظاهر الجمال، ويقوم بترجمة الرموز التي تتطلب إدراكاً ذهنياً، فيلجأ إلى الصيغ التي تمكنه وتمكن المتلقي من الفهم المباشر للعمل وللفن دور مهمّ في بناء جسور المحبة والتعاون، ومصدرُ النشاط الإنساني المتعلق بقدرة الخيال على الإبداع الخيّر من خلال تحقيق البهجةِ الخاصة بالملكات المعرفية النابعة من المعرفة الجليلة المتمثلة بقيم الخير والمحبة.
ويؤكد رافع أن الفنان يحاول في مثل هذه الملتقيات إثبات أن الجمال ينتصر على الرغم من كلّ ما يحيط به من قباحة، ونحن نعلم أنه ليس من السهل ردمُ الهوة بين ما نتمناه من حياة كريمة سعيدة، وما يحدث من كوارثَ اقتصادية واجتماعية وأخلاقية، وفي هذه الظروف والأوقات العصيبة يبقى الفنُّ آخر هموم الإنسان لعجز الكثيرين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، وعلى الرغم من كلِّ هذه الظروف الصعبة والحاجة إلى تأمين أبسط مستلزمات الحياة نرى الفنانّ السوريّ، اليوم، يتحمّل الكثير من الضيق وهو على أملٍ بأنه يستطيع تحقيق الخير من خلالِ نشر شذى المحبة وعطرها، فيصبح كالشمعةِ يبثُّ النور في عتمة الطريق حتى يذوب وينصهر بعقلٍ منفتحٍ دائم الأمل، وأنّ هذه الملتقيات الفنية تحمل رسائل محبةٍ وتساهم في تحفيز المثقف من جهة، وتجعله حاضراً في الذهن المجتمعي بإنجازاته وأعماله من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن ذلك سينعكس على الحراكِ الثقافي في الوطن بشكل عام، ويساهم في تحريك عجلة الثقافة والتنافس الإبداعي والبروز الإعلامي للأنشطة الإبداعية والثقافية في شتى المجالات الإبداعية.
بدوره، يقول الفنان التشكيلي نضال خويص إن الأعمال الفنية التي تقدم في الملتقيات هي تعبير عن الشعور الناجم عن الاندماج الكامل بين العواطف المحسوسة وبين الصورة التي يعبّر كلٌ منا عن عاطفته بأسلوبه الخاص، وهذه رسالة الفن وهي الدمج التام بين ما نخلقه وما نشعر به ونحسه، فمثلاً صورة البحر والماء والمدرسة، والشارع عند الشخص الطبيعي هي صور ومشاهد عادية قد ألفها، فنراها ينظر إليها بتجرد تام، كما هي تماماً، بينما يرى الفنان فيها لوحات تتضمن كل مفاهيم الجمال التي تخلق منها لوحة يقف الإنسان العادي أمامها مشدوداً مبهوراً، يتأمل بعمقٍ في الفكرة المنبعثة من الصورة، ويقوم بعملية الفك والتركيب والبناء والتحليل، لأن مهمة الفن هي الارتقاء بالفكر، ونقل رسائل المحبة ونبذ العنف من خلال تقديس الجمال عبر الصورة. فالفن التشكيلي، كما يضيف خويص، هو عبارةٌ عن رموزٍ وتكويناتٍ مرئية على شكل صورٍ تحمل دلالاتٍ معرفيةً وفنية، فالأشكال والألوان والخطوط والظلال التي تتسرب إلى الصورة محملةٌ بدلالاتها الفكرية والذهنية السابقة.