عن التغيير والشخص والمؤسسة !!
بسام هاشم
شكلت الحرب الاختبار الأصعب الذي تجاوزته سورية بنجاح، فقد أثبت شعبنا بسالته ومناعته الوطنية، وأكدت مؤسساتنا الوطنية قدرتها على الصمود والاستمرارية. وكان من الطبيعي أن تكون هذه المؤسسات هدفاً للعصابات الإرهابية وللقوى الداعمة لها، على حدّ سواء، فقد كان إلغاء أو عرقلة أو تأجيل أو التشكيك بالاستحقاقات الدستورية على رأس أولويات جدول الأعمال المؤامرة الغربية الأطلسية، والمنخرطين فيها، وكان الحرص على انتظام هذه الاستحقاقات هو ما ساعد الدولة السورية، إلى حدّ كبير، على حماية الشرعية الوطنية، ومكّن من الحفاظ على الكيانية القانونية والدستورية ووحدة التمثيل السورية في المحافل العربية والدولية، لينتهي كل ذلك أخيراً في توفير الشروط الضرورية لممارسة الحقوق الأساسية لأي شعب يتمتع بالسيادة، وفي مقدمتها حق اختيار هيئاته ومؤسساته التمثيلية.
وإذا كان الشعب السوري قدم تضحيات غالية، طوال سنوات الحرب، للإبقاء على هذه الهيئات والمؤسسات، فالأحرى أن ندرك أهمية حمايتها من خلال تطويرها والتفاعل معها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، خاصةً ونحن في سياق “مرحلة انتقالية” أو “تغييرية” أبرز سماتها الخوض في النقاشات و”التصورات” و”الرؤى” حول سياسات الدولة وتوجهاتها العامة المستقبلية، و”دور” الهيئات والمؤسسات الوطنية كحاضنة للحوار الوطني في المرحلة المقبلة. وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن تداعيات الحرب تفرض البحث عن تصورات ورؤى جديدة، ولكنه سيادته شدد، بالتوازي، على أن “رفضنا” للتغيير، في إشارة إلى فترة ما قبل الحرب، يفرض علينا البحث في هذه الرؤى والتصورات كنوع من الحل لمشكلات كثيرة مؤجلة. وإذا كان هذا “الرفض” كان أكثر ما يتجلى في “الاجتهاد” و”المواظبة” على اللغة الشعاراتية الجوفاء والمتخشبة، وفي التمسك بالقوالب الجاهزة، و”التصدي” للمرونة والحيوية في عملية البحث عن مخارج للأزمات المزمنة والمستعصية؛ إلا إنه لمن الشجاعة الاعتراف بأن نمط التفكير المتوارث، أو المتأثر ببيئات وافدة، لطالما لعب أدواراً سلبية، وخطيرة أحياناً، في صياغة علاقة الكثيرين بالدولة ومؤسساتها المختلفة، فنحن – في المنطقة العربية والإسلامية – ما زلنا نزاول سلوكيات إدارية وسياسية تعود في جزء لا بأس به منها إلى تقاليد الحقبة العثمانية (حقبة الأطيان والمزارع!)، وآخرون يقاطعون الدولة (أية دولة!!) وينزعون الشرعية منها انطلاقاً من نوازع تكفيرية، وهناك من لا يرون في الدولة إلا بقرة حلوباً، أو مطية لتغليب مصالحهم الشخصية أو الفئوية، وكل هؤلاء في مواجهة “مواطن صغير” هو أقرب إلى الانسحاب والانكفاء والسلبية في بحر من المصالح المستعرة والمتضاربة والمتهاوشة.
هذا “السوري الصغير” لم يتردد في الدفاع عن “سوريته” في مواجهة أعتى العملاء والمأجورين والمجرمين والقتلة”.. لقد حمى وطنه ومؤسساته، فلم لا يدافع عنها اليوم بنزاهة اختياره ووعيه العميق لمصالحه؟ لماذا هذا الربط الاعتباطي بين الشخص والمؤسسة مثلاً؟ ولم يتلبسنا الجمود إزاء أي “مغامرة” لتغيير زاوية الرؤية أو المقاربة؟ الأشخاص عابرون فيما المؤسسة باقية، والمؤسسة “ملكية” وطنية مشتركة عابرة للأجيال، وهي جزء من تقليد سياسي وإداري ووطني ينبغي احترامه والدفاع عنه، وهذا الدفاع لا يتأسس على استجابات سطحية ومباشرة مغرقة في المحدودية، وإنما على وعي متزن وموضوعي بالمصلحة العامة باعتبارها، في المقام الأول، مصلحة فردية تمسّنا في الصميم.
علينا مغادرة التفكير الحالم، الذي عادةً ما يميز العاجزين والاتكاليين، إلى التوقعات التي يضعها فاعلون نشطون يعملون على تحويل المعطيات المتوفرة بين أيديهم إلى حقائق راسخة على الأرض وإنجازات فعلية ثابتة. فالانتخابات، مثلاً، لن تجلب، بالضرورة، تغييراً حقيقياً بمجرد إجرائها، وكذلك لن يأتي التغيير بمجرد استبدال الأشخاص.. التغيير يأتي من خلال تصويب وتطوير أداء المؤسسات وبالمؤسسات؛ أي أنه ثقافة مثابرة، وجهد متواصل ومضنٍّ؛ وكما قال الرئيس الأسد فإن “مؤسسة قوية وراسخة لا يمكن أن يحرفها شخص فاسد، فهي ستصمد، ولكن مؤسسة ضعيفة قائمة على شخص لا بد ستنهار”.
إن الدفاع عن الحقوق مسألة لا تقبل الحياد ولا الانسحاب أو التنازل؛ وأن ندرك أننا ووطننا في سياق مرحلة انتقالية معناه أننا أغلقنا الباب على مرحلة، ونتهيأ لأخرى حجر الأساس فيها هو المشاركة.. المشاركة في الرأي والاختيار.. وفي المسؤولية!!.