طمأنينة الفؤاد ونفسيّة العباد
غالية خوجة
كيف نطمئن في زمن قلق مربك ومرتبك؟
لا ذنب للزمن، لأن سلوكات غالبية البشر هي التي تصنع القلق للبشر الآخرين، لذلك، التعامل مع الذات والغير هو معيار الطمأنينة التي نصنعها لأنفسنا ومحيطنا الاجتماعي ابتداءً من العائلة والأهل والمعارف والأصدقاء والجيران وزملاء العمل.
ولتصبح الطمأنينة عدوى إيجابية، لا بد أن نبدأ بها من أنفسنا مهما كان الظرف مقلقاً، كيف؟.
نعمل واجباتنا ونمضي، فيكون ضميرنا مرتاحاً، ولا نؤذي من يؤذينا، ونزرع الخير ولو في غير موضعه، ولا ننسى من قدّم لنا خيراً حتى لو كان دافعاً معنوياً، وننسى ما قدمنا من خير للآخرين، ونتّكل على الله في كل حياتنا بعد أن نكون قد اتّبعنا “اعقل وتوكّل”، واثقين بأن الضوء يجذبنا إلى الأفعال الجميلة، لأن الحياة العابرة تعامل أخلاقي، والتعامل مثل أي سلوك آخر، يرتكز على الجوهر والفن.
وهذا يدفعنا لمساعدة أنفسنا على الخروج باستمرار من الحالة النفسية الضبابية، السوداوية، الرمادية، إلى حالة أكثر إيجابية، نحاول أن نجعلها مضيئة مهما تمسّك بها الظلام، ونحاول ترك الآلام جانباً لكي لا تترسب من حالتنا النفسية إلى حالتنا الجسدية، فنبعدها قدر الإمكان إلى مكان ما خارج تفكيرنا، كما نبعد المعوقات الأخرى، ونسعى في أرض الله الواسعة، سعياً يتوّجه العمل، وكلٌّ في ما يتقنه، فيجد الإنسان ذاته قريباً من طمأنينة راقية، لا تلبث أن تتجذّر في قلبه، لتتفرع، ويستظل بها على مرّ الثواني واللحظات، مردداً “ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب”.
ترى، كم احتمل أجدادنا وآباؤنا من تصاريف الدنيا؟ وكيف استوعبوا ما كان يحدث؟ وكيف تجاوزوه؟.
بكل تأكيد، لم يكن غالبيتهم مطلعاً على علم النفس والاجتماع، لكنهم جميعاً كانوا موقنين بالعمل والصبر، وكم كان صبرهم جميلاً، بينما في زمننا المعاصر، وعلى الرغم من حضور علم النفس في حياتنا، لكن الغالبية تشكو من عدم الطمأنينة، وتذهب مع تيارات الضياع، من دون أن تفكر كيف لها الخروج من هذا التوهان؟ وكيف تتأقلم مع الواقع الحياتي ضمن أفضل الأسوأ، وضمن ترويض هذا الإمكان، لتتمتع بطمأنينة شافية، مريحة، تساعد بها ذاتها، وتساعد بها الآخرين على عبور المسالك الوعرة، والمطبّات اليومية بكل أشكالها الحياتية الاقتصادية والاجتماعية.
ولن يصل الإنسان إلى هذا الفضاء المريح إلاّ بعد جلسات من التأمل بينه وذاته، ليشكر الله على نعمه الكثيرة، وأولها الصحة تلك التي يفتقدها الكثيرون عافاهم الله، وثانيها العقل الواعي الذي ينير المتاهات ليخرجنا منها، والقلب الواثق بخالقه مطلقاً لأنه الوحيد الذي لن يتخلّى عنه مهما حدث.
وحالما ندخل إلى هذا الفضاء الصابر لنرتاح قليلاً أو كثيراً، نشعر بأن الرضا أصبح يلازمنا، ويحثّنا على القيام بأعمال أخرى طيّبة وإيجابية، لأن الرضا لا يعني الاستسلام، أو الهزيمة، أو التوقف عن العمل، بل يصبح طاقة إيجابية تحفيزية للتغلب على السلبيات في سلوكاتنا، وحياتنا، وطريقة تفكيرنا، واختياراتنا، فتزداد طمأنينتنا، وتؤثر على حالتنا النفسية لتجعلها أكثر استقراراً.
وبلا شك، كلٌّ منا أعلم بحالته النفسية، والأساليب التي يعالجها بها، فمنا من يفضل المشي في الهواء الطلق، وحيداً أو مع شخص مريح، ومنّا من يذهب للقاء الأصدقاء واقعياً، أو افتراضياً، ومنا من يبتكر عملاً ينجزه حتى لو كن إصلاحاً صغيراً في المنزل، ومنا من يفضل قضاء بعض الوقت مع الأطفال، أو يمارس التمارين الرياضية، أو يصغي للموسيقا.
ترى، أيها القارئ الكريم، كيف تقضي وقتاً ممتعاً؟ وكيف تجعل ذاتك تشعر بالطمأنينة؟ وكيف تتجاوز المعوقات والقلق والمصاعب وإيذاء الآخرين المقصود وغير المقصود؟ وكيف تبثّ الطمأنينة في محيطك؟