الاتحاد الأوروبي الجديد.. فرع للناتو
هيفاء علي
أياً كان الرئيس الأمريكي المنتخب، فإنه سيقود الاتحاد الأوروبي، وسيكون هناك الكثير من الجدل السياسي حول كفاءة أو تمثيل القادة الأوروبيين.
وبالنسبة له، فإن الشيء الرئيسي هو اختيار الثلاثي الحاكم في الاتحاد الأوروبي الذي يعد بمثابة فرع لحلف الناتو المبني حول الحرب ضد روسيا وسياسات التقشف. هؤلاء يقولون: الحرب على روسيا حتى النصر، ومن يفكر بعقله يدرك أن هذا الشعار يعني استمرار الحرب خلال السنوات القليلة المقبلة، وإذا سارت الأمور على نحو سيئ فإن التصعيد سيؤدي إلى حرب نووية في المستقبل القريب، والتي ستكون أوروبا المسرح الرئيسي لها.
من الواضح أن اختيار الاتحاد الأوروبي لإبراز دوره في حرب دونباس لا علاقة له بمصالح الشعوب الأوروبية، بل يتوافق تماماً مع مصالح النخب الأمريكية لثلاثة أسباب أساسية وهي الالتزام من جانب أوروبا وإطلاق الصواريخ من القواعد الأمريكية على أراضيها على الأراضي الروسية، فمن المتوقع أن تمتد الحرب إلى ما وراء الحدود الأوكرانية وأن تشمل أوروبا بشكل مباشر، سواء على المستوى الإقليمي أو على مستوى الالتزام بالجنود، بمعنى انتقال الحرب من أوكرانيا إلى أوروبا.
السبب الثاني هو أن الحرب الناجمة عن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في توسيع حلف شمال الأطلسي وعدم الالتزام باتفاقيات مينسك، كانت في البداية ممولة إلى حد كبير من قبل واشنطن، ولكن اليوم، تنتقل التكاليف تدريجياً إلى أكتاف الدول الأوروبية، التي تجد نفسها مضطرة إلى تمويل الحرب مع المخاطرة المتمثلة في قيام الولايات المتحدة في نهاية العام بإغلاق الصنابير بشكل نهائي.
وبالتالي، من الواضح أن الإنفاق العسكري الضخم مرشح للازدياد، ما يقلل من الموارد المخصصة للرفاهية والاستثمار والابتكار. وعلى هذا النحو، فإن الحرب التي يعتبرها الثلاثي في الاتحاد الأوروبي حرباً خاصة به تهدف إلى تفاقم سياسات التقشف والمعاناة الاجتماعية للشعوب الأوروبية.
السبب الثالث والأخير، الانهيار العمودي في العلاقات بين أوروبا وروسيا يعوق بشكل كبير القدرة التنافسية للصناعة الألمانية، وبالتالي للمجمع الصناعي الأوروبي، واقتصاد العديد من البلدان الأوروبية الأخرى التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجهاز الصناعي الألماني الذي سيواجه نفس المصير.
وعلى هذا فإن اختيار الحرب الشاملة من جانب زعماء الاتحاد الأوروبي “المجدد” يؤدي، بالإضافة إلى المخاطر المباشرة للحرب، إلى الدمار الاقتصادي والاجتماعي لأوروبا، والولايات المتحدة سترحب بهذا الأمر لأنها لم تعد مضطرة إلى إنفاق سنت واحد أو تعيين رجل لمواصلة الحرب، لأنها أرادت إبقاء روسيا محصورة في “أفغانستان” الأوروبية.
ومن هنا إن الترويكا المسؤولة عن تحويل الاتحاد الأوروبي إلى نوع من الحماية الأمريكية هي تعبير عن اتفاق بين الاشتراكيين والشعبويين والليبراليين، أي يمين الوسط الأوروبي ويسار الوسط. وبالتالي، هناك كتلة تحكم أوروبا بمعارضة الشعوب الأوروبية والدفاع عن مصالح النخب الأمريكية، وجزء كبير من اليمين ينافس هذه الحكومة التي تتطور على نفس الخط السياسي. ومن الواضح أنه لم يظهر أي بديل واضح لهذا الوضع خلال الانتخابات الأوروبية، وبالتالي لا يمكن الاعتقاد أن الحل سيأتي عبر الوسائل السياسية في الأشهر المقبلة.
لذلك الوقت ينفد، ولا يمكن انتظار الانتخابات الأوروبية المقبلة بعد خمس سنوات لمعالجة كوارث هذا التوجه السياسي الخطير. ولهذا السبب من الضروري العمل لكسر القالب وجعل أصوات المؤيدين للسلام مسموعة في الخارج وضد النظام السياسي المعوق الذي يرى الحكومة -وجزء من المعارضة -على أنها الطرف الوحيد في الحرب، ضد هذا الحزب المستعرض التابع للولايات المتحدة.
إن التغلب على الشعور بالعجز، والميل نحو نزع الشرعية، وبناء التعبئة الشعبية ضد هذه النخب، يشكل المهمة الديمقراطية الرئيسية التي تواجه الشارع الأوروبي اليوم، وهذا هو التحدي الذي يواجه الأوروبيين اليوم والذي يجب البناء عليه أكبر تقارب شعبي لوقف سياسات الحرب والتقشف بالنضال قبل فوات الأوان.