ثقافةصحيفة البعث

محمد ديوب.. رمزية اللون وسحر المكان

حمص- آصف إبراهيم

بعد معرضه الفردي الموسوم بـ”ما قبل” الذي افتُتح قبل ثلاث سنوات، يعود الفنان التشكيلي محمد يوسف ديوب إلى صالة صبحي شعيب لنقابة الفنانين التشكيليين وسط مدينة حمص بمعرض جديد، يقدّم خلاله آخر ما توصل إليه من بحث عبر الكتلة والمساحات والموضوعات، حيث يستلهم من التاريخ أفكاراً يعبّر من خلالها عن موقف ما من الحاضر، وإن كانت اللوحة لديه تتطلّب قارئاً متمكناً قادراً على سبر أغوارها واستخراج مضامينها الفكرية والانفعالية.
ويعبّر ديوب عن حالة من التماهي داخل اللوحة من خلال توزع اللون، بما يحمله من دلالة ورمزية تشي بموقف خفيّ إلى حدّ ما، من حوادث الحاضر، وخلفيتها التاريخية المشوهة، عبر محاكمات آنية متباينة، ولا يبتعد في معرضه الحالي كثيراً عمّا انتهجه في معظم أعماله من بحث وتجريب وتجديد، سواء بالأفكار أم التقنيات المختلفة التي يغلب عليها الأسلوب العفوي البعيد عن التكلف والتنميط، حيث يدع انفعاله الحرّ يقوده إلى حيث التشكيل الجمالي، عندما يطلق العنان لحالات اللاشعور تفرد جناح مكنوناتها على عمق التكوين في اللوحة.

موضوعات ديوب تتوزع بين الوجوه والبيوت التي يضيف إليها تأثيرات ومفردات فنية خاصة، كأن يجعل للبيت أعضاء حسيّة من فم ينطق وعيون ترى وآذان تسمع، فهي شاهدة على تاريخ وحوادث جنى فيها الإنسان على ذاته وعليها.
يستخدم ديوب الألوان المائية والترابية والنارية، ولاسيما الأصفر والأزرق رمزي النار والماء على القماش مع تقنية إعادة تدوير وتوظيف فني لعناصر مختلفة ضمن اللوحة، ولاسيما القصاصات الكرتونية والورقية الملونة، فهو يشتغل ضمن فكرة الفن للفن بالدرجة الأولى، والبساطة البعيدة عن الواقعية التسجيلية.
ونستشفّ من المعرض الذي يضمّ نحو ثلاثين لوحة مقولاتٍ متعددةً تتنقل بين الماضي والحاضر، ليقول لنا “هكذا كنّا ما قبل”، وهذا المعرض هو السادس عشر الفردي الذي يسجل في مسيرته الطويلة التي قادته إلى نشاطات فنية مهمّة وغنية، كان أبرزها معارضه الفردية العديدة التي أقامها في الإمارات العربية المتحدة والتي منحه اتحاد الكتّاب والأدباء فيها جائزة أفضل عمل فني.
وقد أخذ ديوب من الأبنية الدمشقية روح اللون الترابي ومن الصخور المتآخية مع التاريخ والبناء في بلدة معلولا السورية الهوية والبحث، وربما منذ انطلاقة بحثه التشكيلي، كانت ظلال أبنية معلولا تلاحقه، كما يقول دائماً، في اليقظة والنوم، كما يبوح دائماً، ليستعيد باللون الترابي وقليل من الحنة والرمال، وتارة بقايا خشب ليصوغ منها بنائيته الخاصة ويعيد تكوين البيوت القديمة.