فلسطين.. الأرض المسروقة
هيفاء علي
تقول الين كانتارو ، الصحفية في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أنه بحلول عام 1979، كان المستوطنون وجنود الاحتلال الإسرائيليون يرهبون سكان قرية حلحول الفلسطينية ويرتكبون أعمال عنف في أماكن أخرى.
في ذلك العام، قامت كانتارو بأول زيارة إلى فلسطين المحتلة، حيث تم تكليفها من قبل صحيفة “صوت القرية” البديلة في نيويورك للتحقيق في إرهاب المستوطنين الإسرائيليين المتنامي بحق الفلسطينيين.
وأوضحت أنها تظاهرت بأنها يهودية تبحث عن التنوير، وقضت عدة أيام وليال في مستوطنة “كريات أربع” في شقة من أربع غرف في المستعمرة، وسط مناظر طبيعية رائعة للبحر الأبيض المتوسط، تتخللها شرفات مرصوفة وبساتين زيتون وأشجار فاكهة وكروم، استولى عليها المستوطنون.
تقع كريات أربع على حدود مدينة الخليل، وتبعد مسافة ثماني دقائق بالسيارة عن حلحول. هدف الصهيونية هو توطين “شعب” على هذه الأرض المقدسة بعد احتلالها وطرد وتشريد سكانها أو قتلهم، وهكذا ولدت حركة الاستيطان التي لم تتوقف حتى يومنا هذا عن سرقة الأراضي من الفلسطينيين.
وحتى قبل الغزو اليهودي هذا، كان ييغال ألون قد وضع خطة استيطانية من شأنها أن تمد حدود “إسرائيل” السياسية إلى نهر الأردن، ومن شأن هذه المستوطنات الجديدة أن تحيط بالقرى والبلدات الفلسطينية وتعزلها عن بعضها البعض.
وتلفت الصحفية إلى أنه عندما بدأت إعداد التقرير، استغرقت الرحلة بين القدس ورام الله حوالي 20 دقيقة، ومع ذلك، بعد بناء الطرق السريعة المخصصة للمستوطنين فقط وإنشاء نقاط التفتيش للفلسطينيين، استغرقت الرحلة ضعف الوقت على الأقل.
في البداية، كان هؤلاء مجرد جنود متمركزين على الطرق، ولكن تم تجهيز نقاط التفتيش هذه لاحقاً بممرات للمشاة وأنفاق وبوابات دوارة تشبه تلك الموجودة في نظام مترو أنفاق نيويورك، وكثيراً ما أُجبر الفلسطينيون على الانتظار، لساعات في بعض الأحيان، قبل أن يُسمح لهم -أو لا يسمح لهم -بالسفر إلى وجهتهم.
في عام 1993، بدأت “عملية السلام” في أوسلو بالنرويج، هذا الاتفاق “قلب شروط الاحتلال رأساً على عقب”، كما قال نعوم تشومسكي، “لكن ليس المفهوم الأساسي”. وكما كتب المؤرخ شلومو بن عامي أن “اتفاقات أوسلو قامت على أساس استعماري جديد، على حياة اعتماد الواحد على الآخر إلى الأبد. ولم تؤد المقترحات الأميركية الإسرائيلية في كامب ديفيد عام 2000 إلا إلى تعزيز هذا الزخم الاستعماري.
اقترح الرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء إيهود باراك دمج السكان الفلسطينيين في ثلاث مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، منفصلة عن بعضها البعض وعن القدس الشرقية. ومنذ ذلك الحين، واصلت “إسرائيل” احتلالها بلا هوادة للأراضي الفلسطينية. وفي عام 2002، بدأت ببناء جدار عازل ضخم على طول الخط الأخضر وفي أجزاء من الضفة الغربية. يتكون هذا الجدار، في أبهى صوره، من سلسلة من الألواح الخرسانية بارتفاع 7 أمتار، تتخللها أبراج مراقبة عسكرية وتكملها أسوار مكهربة خاضعة للمراقبة الإلكترونية تمتد في جميع أنحاء المنطقة.
وتتابع الشرح: بعد عام 1979، في كل مرة انتقلت فيها إلى الضفة الغربية، كنت أرى مستوطنات جديدة تتشكل، بأسقفها المميزة المصنوعة من القرميد الأحمر وجدرانها البيضاء. وفي هذه الأثناء، منع الإسرائيليون الفلسطينيين من بناء منازل جديدة أو حتى توسيع المنازل التي كانوا يملكونها بالفعل. وفي مدينة رام الله بالضفة الغربية، أدى هذا الوضع التقييدي إلى جعل مركز المدينة قبيحاً بسبب المباني الشاهقة بشكل متزايد.
منذ البداية، رافق العنف انتشار المستوطنات، حيث اقتلع المستوطنون عدة هكتارات من كروم عنب يملكها مزارعون في الخليل، كما اقتحم مستوطنو كريات أربع عدة منازل عربية في الخليل ونهبوها.
وفي عام 1994، قام المستوطن الأمريكي المتطرف، باروخ غولدشتاين، بقتل 29 من المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل وإصابة 125 آخرين، وكان من مؤيدي حركة كاخ المتطرفة التي أسسها الحاخام الأمريكي مئير كاهانا.
لقد بدأ الرعب منذ أكثر من نصف قرن، ولو كانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت مقالات مماثلة في أواخر السبعينيات، ولو لم تغض الحكومات الأمريكية المتعاقبة الطرف عما يجري، ولو لم تستمر واشنطن في تمويل جرائم الإبادة الجماعية التي تستمر “إسرائيل” في ارتكابها، بمواصلة تقديم المساعدات المالية واللوجستية لها حيث تبلغ 3 مليارات دولار سنوياً، لما استمر نهب الأراضي والجرائم الأخرى التي يرتكبها هذا الكيان العنصري المحتل في غزة والضفة الغربية.
وبحلول عام 1979، كانت “إسرائيل” قد صادرت بالفعل المياه من حلحول والقرى الفلسطينية الأخرى، بينما في السنوات التي تلت ذلك، كان من السهولة رؤية حمامات السباحة والمروج الخضراء تزدهر في المستوطنات، حتى مع اضطرار القرى والبلدات الفلسطينية إلى جمع مياه الأمطار في براميل مثبتة على أسطح المنازل.
وعندما شنت “إسرائيل” عدوانها الوحشي المتواصل حتى اليوم على غزة عام 2023، تم بث مقاطع فيديو لجنود يرقصون ويحتفلون، حيث علق محرر في صحيفة نيوورك تايمز على ذلك، مشيراً إلى أن عنف المستوطنين الذي ترعاه حكومة الاحتلال، يتغذى من الأسلحة الأمريكية التي يتم تسليمها إلى “إسرائيل”، وعندما يقوم المستوطنون المسلحون بترويع الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أراضيهم – كما حدث في 18 مجتمعاً منذ تشرين الأول 2023– فإنهم يحملون بنادق أمريكية من طراز M16 وفي بعض الأحيان ترافقهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، والولايات المتحدة هي في قلب الصراع في الضفة الغربية، والعديد من المستوطنين يتحدثون اللهجة الأمريكية ويحصلون على دعمهم المالي من المانحين الأمريكيين. ومن باب التذكير، فقد كان باروخ غولدشتاين، القاتل عام 1994، أمريكياً، وكان من الواضح جداً في ذلك الوقت أن اليهود الأميركيين كانوا من بين المستوطنين الأكثر تطرفاً.