زيارة ببعد الصداقة الشخصية
علي اليوسف
بزيارته إلى موسكو، يلتقي الرئيس الأسد صديقاً شخصياً، ورئيس دولة عظمى لطالما جمعها بسورية تاريخ طويل من علاقات الصداقة والاحترام المتبادل والتعاون المشترك في مختلف المجالات، حيث ترتقي الزيارة إلى مستوى إقرار الشراكة الإستراتيجية من خلال توافق الرئيسين التام على توصيف المخاطر، والتوقعات، والاحتمالات المقبلة.
وإذ سطر البلدان على امتداد السنوات الماضية صفحات من النضال المشترك ضد القوى الظلامية والإمبريالية، وتمكنا من دحر جيوش الإرهاب المدعومة أطلسياً في دفاعهما عن مصالحهما وقيمها المشتركة، فإنهما يبنيان اليوم على رؤيتهما الواحدة لمستقبل العلاقات الدولية القائمة على الاعتراف بالمصالح المتبادلة، وبناء نظام عالمي جديد قائم على العدالة والتكافؤ، خالٍ من أشكال الغطرسة والهيمنة.
يلتقي الزعيمان كما في كل مرة مفعمين بالاحترام والتقدير المتبادل، وبالحرص على حماية حقوق بلديهما في مواجهة الأطماع والتدخلات الخارجية، وهما يدركان أن دفاعهما عن بلديهما لم يكن إلا ليزيد من احترام كل منهما لشخص الآخر، وتفهم لقناعاته ومواقفه السياسية، وإيمان بأن ذلك بالضبط هو ما يجعل منهما قائدين عظيمين في نظر شعبيهما وشعوب العالم وقوى التحرر العالمية.
وعندما يقول الرئيس بوتين لضيفه الأسد “لم نر بعضنا البعض منذ فترة طويلة”، فهذا يعني أن الجانب المرتبط بالصداقة الشخصية التي تجمعهما يظهر أن أكثر من عام على لقائهما السابق مدة طويلة قياساً بالعلاقة بينهما. وهذا إن دل فإنه يدل على أن العلاقات الروسية السورية -التاريخية والراهنة- ليست آنية تفرضها المسارات الجيوبولوتيكية، بل هي علاقات كبرت ونضجت عبر مسار تاريخي طويل في تفاعلات سورية الدولية اقتصادياً وعسكرياً، وثقافياً، بل وحتى شخصياً.
صحيح أنه يمكن وصف زيارة الرئيس الأسد بالمفاجئِة، ولكنها كانت زيارة عملية جداً، إذ من الطبيعي أن تكون الغاية الجوهرية من زيارة العمل التي أجراها السيد الرئيس إلى روسيا والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين للبحث المعمق في التطورات السياسية والعسكرية الحاصلة في الشرق الأوسط، وما تقتضيه من تبادل للآراء حيال التعامل المشترك مع هذه التطورات.
ففي ظل الأحداث التي يشهدها العالم، وتحديداً ما يجري في المنطقة، فإن اجتماع الرئيسين يكتسب أهمية بالغة لمناقشة تفاصيل تطورات الأوضاع، والآفاق والسيناريوهات المحتملة. بل في أفضل الأحوال التباحث عن توجهات متطورة للعلاقات الاقتصادية بين سورية وروسيا، فإذاً الفرصة باتت مؤاتية للحديث عن منظومة العلاقات السورية- الروسية بأكملها، بما فيها التجارية والاقتصادية التي تحتوي على اتجاهات واعدة فيها، والتي قد ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية، كنتاج طبيعي للعلاقات الدبلوماسية الممتدة على مدى ثمانين عاماً، رغم تعرض روسيا وسورية لكل أشكال الضغوط ومحاولات الإخضاع وكسر الإرادة، لأن الكلمة الفصل اليوم هي للثبات لا للتراجع والانهزام، وهي التي أسست لروابط متينة ولثقة وفهم متبادلين، وخلقت تمازجاً بين المجتمعين وأثرت العلاقات الثنائية.
كان كل شيء مطروحاً على الطاولة، لكن الأهم أن النقاش حمل توافقاً تاماً حيال توصيف المخاطر القائمة من جهة، وحيال التوقعات والاحتمالات المقبلة من جهة أخرى. وحتى في الحديث عن “وساطة” للقاء الرئيس الأسد مع أردوغان، كان توافق الرؤى بين الأسد وبوتين واضحاً، فالمشكلة لا تكمن في اللقاء، وإنما تكمن في مضمون اللقاء، وسورية أصرّت على أن اللقاء ضروري بغض النظر عن المستوى، فلا شيء سري بالنسبة لسورية، كل شيء معلن، أما جوهر المشكلة فهو دعم تركيا للإرهاب، وعدم الانسحاب من الأراضي السورية، فإذا لم يكن هناك نقاش حول هذا الجوهر فماذا يعني “لقاء”؟.
وروسيا تدرك وتقدر، بل تساند الموقف السوري القاضي بإزالة الأسباب لتظهر النتائج، وخاصة أن الأصدقاء الذين يبادرون من أجل حل المشاكل مع تركيا وغيرها ملتزمون بالقانون الدولي، وما تطلبه الدولة السورية ليس شروطاً ولا مطالب، هي متطلبات تفرضها طبيعة العلاقات بين الدول.
ومادام البلدان متوافقين في الرؤية والرؤى تجاه كافة الملفات المطروحة، فإن نتائج الزيارة على المستوى السياسي والعسكري، والتي قاربها المستوى الاقتصادي ستظهر نتائجها الايجابية قريباً بما يعزز عمق العلاقات، واستمرارها بين الشعبين والبلدين والقيادتين.