دراساتصحيفة البعث

الترامبية بوصفها ظاهرة سياسية 

د خلف المفتاح

بعد فترة حكم استمرت دورة كاملة في الرئاسة الأميركية عنوانها دونالد ترامب،  ثم خسارة للانتخابات الرئاسية عام 2020 لم يتقبلها الرئيس المغادر للبيت الأبيض،  حيث خرج على كل قواعد السلوك السياسي الأميركي، والمتمثلة بتهنئة القادم الجديد. تمرد الرئيس المهزوم بالانتخابات واعتبرها مزورة وحرض مناصريه على اقتفاء أثره في رفضه هذا معلناً أنه سيعود إلى البيت الرئاسي الذي أخرج منه، ولم يتوقف عن مهاجمة الإدارة الأميركية التي يمثلها الرئيس الديمقراطي جو بايدن، ويتهمها بإضعاف صورة أميركا في العالم. مع نجاته من محاولة الاغتيال، ازدادت شعبيته حسب استطلاعات الرأي العام، والتي كانت قد سبقتها مناظرته الرئاسية مع الرئيس بايدن والتي أظهر  فيها تفوقاً واضحاً على الرئيس العجوز ما أربك أعضاء الحزب الديمقراطي.

وبالعودة للعنوان الترامبية بوصفها ظاهرة سياسية تسعى لإبقاء أميركا القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى على مستوى العالم من خلال شعار “أميركا أولاً” فإن من يحدد السياسات الأميركية هو ساكن البيت الأبيض، وهو الذي يجب أن يستفرد بسياساتها وقراراتها الكبرى  وخياراتها الإستراتيجية، فلا ضرورة لتوازن في القوى التي تدير دفة السياسة الأميركية بين البيت الأبيض  والبنتاغون والكونغرس بمجلسيه، والمخابرات المركزية الأميركية، والمجمع الصناعي والمالي، ناهيك عن الفلسفة السياسية الأميركية التي يمثلها المحافظون الجدد ( الشتراوسيون ) كحكومة عميقة .

ومع ذلك كله بدا الرئيس الأميركي السابق ترامب غير آبه في خياراته السياسية بكل تلك الكتل ومراكز القوى  الفاعلة التي شكلت  خلال أكثر  من سبعة عقود ميكانيزم  السياسة الأميركية، رغم تداول السلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وإذا كان السؤال لماذا تصرف الرئيس السابق ترامب بهذه الطريقة التي فيها خروجاً عن المألوف؟ فثمة أسباب عديدة تقف وراء ذلك منها أنها جاء من خارج حلبة السياسة ومن عالم رجال الأعمال الذي يشكل المال لديه الهدف الأساسي الذي يتقدم على الأهداف الأخرى، انطلاقاً من القناعة أن أميركا شركة عملاقة، وإن قوتها الأساسية ناتجة عن فائض قوتها الاقتصادية وسلاحها الأساسي هو الدولار بوصفه العملة الدولية القابلة للتحويل على مستوى العالم. إضافة إلى أن الرئيس ترامب نفسه من أكبر المستثمرين في القطاع المالي الأميركي والعالمي، ما مكنه من تشكيل شبكة علاقات مالية عالمية بعضها منظور، وبعضها الآخر يعمل بسرية، ولعله ليس من قبيل الأسرار أن الرئيس ترامب يملك أكثر أسهم شبكة تويتر العالمية، ما جعله يطلق تصريحاته عبرها ما يحقق لها أرباحاً هائلة تقدر بعشرات المليارات سنوياً، الأمر الذي أثار حفيظة المؤسسات الإعلامية الشهيرة عليه، وهجومها المستمر على سياساته واتهامه لها بالكذب والتضليل في غير مرة .

إن ما يدفع للحديث عن الترامبية هو العناوين التالية:

  • إن الرئيس السابق والمرشح اللاحق للرئاسة عمل منذ وصوله لسدة البيت الأبيض إلى جعل السياسة خادمة للاقتصاد، فبدأ بفرض الرسوم على الوارادت من الدول الشريكة للولايات المتحدة الأميركية وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية، أكبر شريك تجاري لها، حيث تشكل صادرات الصين للولايات المتحدة حوالي عشرين بالمائة من مجمل صادراتها، ناهيك عن أن الصين تحوز على ما قيمته أكثر من تريليون ونصف مليار من سندات الخزينة الأميركية.
  • ربط الرئيس ترامب المظلة النووية والعسكرية الأميركية لكل من أوروبا ودول جنوب شرق آسيا  بدفع التكلفة المالية،  وهو ما دفع بحكومات تلك الدول للانصياع لذلك ولاسيما ألمانيا واليابان وكورية الجنوبية، إضافة إلى مطالبته لبعض الدول ما يمكن تسميته ( خوة ) مقابل ما ادعاه الحماية العسكرية لها، الأمر الذي وفر للخزانة الأميركية مئات المليارات من الدولارات، وتعامل مع كثير من الدول على طريقة بلاك ووتر (الحماية مقابل المال) .
  • كسر القاعدة الأساسية لفكرة العولمة، وهي فكرة أميركية، فعمل بالحمائية، وفرض الضرائب على المستوردات بدل الأسواق المفتوحة، ووضع قيوداً على الهجرة، علماً أن الفكرة الأميركية تقوم أساساً على مفهوم الهجرة، والبحث عن عالم بلا حدود وتمثال الحرية .
  • إنه أول رئيس أميركي ينفذ كل وعوده الانتخابية للصهاينة، فاعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وضم الجولان العربي السوري بما يخالف كل القرارات الدولية، وانسحب من اتفاقية المناخ ضارباً عرض الحائط بالإرادة الدولية، وانسحب من اليونسكو، وكذلك من الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران والدول الست الأخرى استجابة للرغبات  الصهيونية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.
  • إنه أول رئيس أميركي يزور كورية الديمقراطية، ويقابل رئيسها، ويعلن عن إمكانية تطبيع العلاقات معها إن تخلت عن برنامجها النووي في سعي واضح منه لمحاصرة الصين الشعبية التي  يرى فيها المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات العشر القادمة.
  • يعتبر الرئيس السابق ترامب أول رئيس أميركي يهاجم الصحافة والإعلام، وأجهزة المخابرات، ووزارة الدفاع البنتاغون في كل مرة لا تستجيب لرغباته، وإنه يعتمد في قراراته على المقربين منه لا مستشاريه. وعلى الرغم من أنه من مجتمع رجال الأعمال، إلا أن قاعدته شعبوية إضافة إلى أنه يمثل تياراً انجيلياً قوياً يزيد تعداده على ثمانين مليوناً، حسب معلومات من الداخل الأميركي، والذي يعتقد أنه سيشكل قاعدته الانتخابية في السباق الرئاسي القادم للبيت الأبيض ما يجعل فرص نجاحه لولاية ثانية أمراً محتملاً جداً .

إن كل ما تمت الإشارة إليه من عناصر تجعل من الحديث عن الترامبية حالة قد تتحول إلى ظاهرة سياسية، إن قيض لها أن تنجح في إيصال ترامب مرة أخرى إلى سدة البيت الأبيض، وهذا احتمال متروك للمستقبل القريب، سيما وأن الانتخابات الأميركية أصبحت قريبة وعلى الأبواب، حيث تشير معظم  استطلاعات  الرأي العام وتوقعات المراقبين إلى أن ترامب سيكون هو الساكن الجديد في البيت الأبيض.