غياب قصيدة النثر وآراء متباينة حول مهرجان رابطة الخريجين
حمص – سمر محفوض
ما زالت مدينة حمص تباهي بنشاط ثقافي وأدبي يميز أزقتها وبيوتها وسكانها، وفي المهرجان الشعري بدورته الثالثة والثلاثين الذي نظمته رابطة الخرجين الجامعيين بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، تشد مسامعنا وتلفت ناظرنا انطلاقته الجديدة المميزة برونقها الأدبي بعد توقف ١٤عاماً شهدنا خلالها مزيجاً بين الألم والأمل، إذ نقل الشاعر محمود نقشو، رئيس الرابطة، في حديثه عن هذا التوقف إحساس الأديب بسنوات الأزمة والحرب الضروس التي أثرت على كل مظاهر الحياة في حمص وأصابت الشاعر والأديب والفكر والمثقف والطالب بالتراجع أو التوقف، لكن رسالة العلم ما زالت محمولة في الفكر والأذهان النيرة.. رسالة من حمص ومن سورية إلى العالم بأسره.. من وقف معنا ومن اتبع النسق الآخر الغربي، مفادها: إننا نريد الحياة ونريد مستقبلاً فيه مكان للحياة وللشعر وألوانه الأدبية التي تخفف وطأة يومنا وصعوبة واقعنا المعاش.. لنتحلى بالأمل ونعيد تكوين رسمنا للجمال والإبداع ورؤى مشتهاة ما زالت في قلوبنا على الرغم من تفاقم الأسى.
كللت أيام المهرجان الأربعة باحتفاء كبير بالشعراء ليس فقط من سورية بل وبمشاركات من الأشقاء الأوفياء لها في لبنان والأرض المحتلة الذين قدموا فجادوا بباقة من القصائد الشعرية العمودية والتفعيلة عبر كلام من القلب إلى القلب لشعب سورية والأمة العربية وكل أحرار هذا العالم، لكن ضمن كل هذا المشهد التفاؤلي الكبير لا بدّ من الإشارة إلى غياب ملموس غير مبرّر لقصيدة النثر بشكل شبه كلي، إلّا من نص نثري غزلي وجداني قصير استهل به الشاعر توفيق أحمد، نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب، المهرجان، ثم أتبعه بقصيدة بعنوان “حمص” أهداها إلى أهل المحافظة، مكرماً أحاسيسهم الأدبية بكلماتها التي تحمل رموز التألق والحياة، فلهذه المدينة معاجم تختصر المفردات، وفيها أرخى الزمان قناديله، وعلى زند تدمر وشم يعود إلى زمن غابر ويقود إلى راية قادمة، فيما تغزل الشاعر ممدوح لايقة بالمحبوبة وبجمال حمص أيضاً، أشجارها ومياهها وحجارتها، وبوصفها مدينة الشعراء وديك الجن.
ودعا الشاعر محمود حمدان من خلال قصيدته “من يدق الباب” أم الشهيد إلى التهليل، والمحبوبة إلى أن تشف في عزلته وتضيء، مختصراً مزيجاً من معاني الفقد والألم والعشق، أما الشاعرة ليندا إبراهيم فحملت قصيدتها “نبوءة صبية” رسائل الشعر بوصفه توءم النبوءة والأحلام، ملقية مقاطع قصيرة من قبيل “الفجر يقترح الندى”، لتختم مشاركتها بقصيدة من الشعر العمودي “بالحب بالشوق بالصلصال مجبولة” وتطرب آذان الحضور بإلقاء هادئ مميز لم يدركوا معه مرور الوقت.
وفاض كيان الشاعر صالح سلمان بمعانٍ أخاذة ملؤها السلام والحب في حضرة الشعر، و”مائدة القصيدة”، لنستمع بعدها إلى الشاعر بيان الصفدي وقصيدتي “لعبة حرب إلى معاني الغياب” و”أشباح القرية” الموحشة وظلامها وعتم حزنها.
مشاركة الشعراء الشباب كانت أيضاً تضفي رونقاً مميزاً على جواهر المهرجان، إذ استهلها الدكتور كميل حمادة القادم من لبنان بذكريات الطفولة عن حمص، فقرأ قصيدتين غزليتين “لو أني امرأة” و”فستان” ثم أتبعها بمقاطع صغيرة “مد إلي يدك كي أحبك” وختم بقصيدة “النساء” ليجول بالمكان من حمص إلى ضواحي لبنان ومدنها الشقيقة التي تعيش مع حمص ودمشق الألم والفرح في آن.
وقدم الشاعر إبراهيم منصور قصيدتين (“وكنت سأنجو بيومي حتى النهاية” و”رأيت أبي في الصباح”) في سلسلة من دماثة الشباب الشعرية التي زادت من عبق المهرجان، فيما تفاعل الجمهور مع الشاعر غدير إسماعيل في قصيدتيه “بحر الموانئ” و”للشوق عينان” وفاضت المشاعر جياشة بالحب واللقاء وكل معاني الوجد.
واستذكرت الشاعرة قمر صبري الجاسم في قصيدتها “الحلم الميت” لمحات “العيد في الغربة” فحملتها شوقها وطقوس حنينها إلى حمص مسقط الرأس والقلب، وروضة زهور الطفولة وأحلامها التي لم تحقق بعد أو تكلل بسعادة غامرة للسلام والطفولة والحب، وأهدى الشاعر عباس حيروقة أطفال سورية إحدى قصائده، وألقى أخرى بعنوان “هاموا بنورك يا رباه أم تاهوا” شاملاً كل الفئات التي تتذوق شعره بهداياً لفظية متقنة الصنعة الأدبية.
وخلال إلقاء الشاعر أسامة حمود قصائد قصيرة من قبيل “دعني”، و”أيّ المدائن في الأصقاع تؤويني”، و”رماني الدهر”، فتحرك جو السكون إلى ضوء ينير المكان بعد هدوء، ويغذي القلب والعقل بصور تجول في ذاكرة الماضي وآمال الحاضر البسيطة، ليكون الختام مع الشاعر اللبناني حسن مقداد بقصيدتي “الوهم” و”صبا”.
وفي اليوم الثالث، استهل الشاعر أحمد الحمد فعاليات المهرجان بقصيدتي “تأخر الحلم”، و”أنا رؤيا من صحوة ومنام”، وألقى الشاعر الدكتور راتب سكر مقاطع من قصيدتين، الأولى لحمص بعنوان “عديّة الدنيا” والثانية بعنوان “انتظار”، واصفاً كيف وارى أعرابي جثمان الشاعر أبو فراس الحمداني الثرى بعد أن كان زين الشباب في قومه.
وألقت الشاعرة لينا حمدان قصيدة “محبرة من نور” على صدر حمص، ثم أتبعتها وجدانيتين بعنوان “هذيان” و”عيون الضياع”. واختار الشاعر محمد علي الخضور قصيدتين غزليتين للمشاركة بعنوان “شمعة” و”رقصة التانغو” ضمنها الحب ورقصة المشاعر احتفاء باللهفة والهيام.
أما اليوم الرابع والأخير من المهرجان، فبدأه الشاعر حسن بعيتي بقصيدتين، الأولى بعنوان “قمر المعرّة” والثانية “آخر ما غنى النواب”، مذكّراً بالاحتفالية التي حضرها في لبنان تكريماً لمظفر النواب ومخزونه الأدبي الخالد، ليلقي الشاعر رضوان الحزواني قصيدة طولية بعنوان “رفاق اليراع”، مناشداً فيها رفاقه من حملة الموهبة بأن يشعوا الجمال شعراً والوجود أدباً وختم بقصيدة غزلية “دنيا زاد”.
واستنهض الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي، في قصيدته “لا وقت إلا للحياة”، الأمل بالقادم، داعياً لإيلاء الحياة الاهتمام والحب حتى نعيشها بجمال ومتعة، كما حمل الشاعر عصام الحلبي بمشاركته عشقه لوطنه سورية في قصيدته “تمضي الحياة بحزنها المعتاد”، وأتبعها بقصيدة “حسرات آدم” في تداخل لوني جميل بين الوطن والحب والألم، ليكون مسك ختام المهرجان مع الشاعر صقر عليشي الذي قدم لمحاته من “لمحة تاريخية” إلى “لمحة عن المعري” و”لمحة عن أبينا آدم عليه السلام” وقد تناوب الطيران بين حدود المخيلة وحدود الفكرة والواقع.
وفي استطلاعنا آراء وانطباعات الكتاب والشعراء والنقاد، انقسمت، أو لنقل تنوعت ما بين المرحّب والداعم للمهرجان، مع أنه دليل تعافٍ وانطلاقة متجدّدة، ليؤكد الشاعر عليشي أن عودة المهرجان هي عودة الحياة الثقافية بألقها إلى المدينة التي عانت آثار الإرهاب عبر المشاركات المهمة التي تليق بجمهور المدينة العريقة، فيما أشار الدكتور هايل الطالب، من جامعة البعث إلى أن المهرجان شكّل ظاهرة مهمة على مستوى المحافظة من خلال مشاركات ملفتة من قبل الشعراء والشعر، ولم يغب الهم الوطني والإنساني عنه، مع باقات غزلية أنعشت الروح.
على المقلب الآخر، قال أحد النقاد المعروفين بحمص، والذي فضل حجب اسمه: لم يكن المهرجان على مستوى التوقع والانتظار الذي دام ١٤عاماً، وكنا ننتظر مشاركات أوسع وقصائد تحمل التجديد والحداثة لتأتي بعض المشاركات خجولة وضعيفة وتقليدية إلى جانب شعراء قدموا قصائد مهمة وعميقة، متسائلاً: لماذا لم يدعى شعراء النثر للمهرجان ومن وراء معقابة قصيدة النثر بالحرمان؟!
بدوره، شدد الشاعر والروائي راتب إدريس على النظر إلى النصف الملآن من الكأس، فالمشاركون شعراء كبار ومهمون ولهم باع طويل في التجربة الشعرية، لكنهم لن يستطيعوا إرضاء كل الأذواق، ونحن نرى الحرفنة والعراقة والنضج والقوة، والعلاقة مع القصيدة العربية موروثاً وروحاً، لكن لا بدّ من إضافة لترقى القصيدة، أمّا الشعر فبصراحة حضر بجماليات يراها كل من وجهة نظره، بما فيها صفاء الفكرة وتمكين أدوات الشكل الشعري للقصيدة، والمهرجان واجهة ثقافة مهمة للمدينة.