البريكس توجه “ضربة معلم” للدولار
هيفاء علي
تكثف الدول الأعضاء في مجموعة البريكس جهودها لإنشاء ديناميكية اقتصادية عالمية جديدة، ومن الممكن أن تؤدي هذه المبادرة، المدفوعة بالتطورات الأخيرة والاتفاقيات الكبرى، إلى الإخلال بالتوازن الحالي للتجارة الدولية.
فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً في مؤتمر صحفي أن عملية إلغاء الدولرة داخل مجموعة البريكس جارية، كما أكد أن هذه العملية لا يمكن وقفها، وتحدث أيضاً عن التطوير المستمر لنظام الدفع البديل لكتلة البريكس.
وبحسب مراقبين، ينبغي أن يكون هذا النظام موضوعاً للتوصيات في قمة هذا العام في الوقت الذي تظهر فيه مجموعة البريكس التزاماً متزايداً بالحد من استخدام الدولار في معاملاتها الدولية. ففي تموز الجاري، تم التوقيع على اتفاق تجاري كبير بقيمة 100 مليار دولار بين روسيا والهند، وتعمل هذه الاتفاقية على تعزيز التجارة بالعملات المحلية وتمثل نقطة تحول مهمة في إستراتيجية إلغاء الدولرة في الكتلة، وهذا الاتفاق هو جزء من سلسلة من المبادرات المماثلة، بما في ذلك اتفاق سابق مع إيران.
ولا تقتصر خطط إلغاء الدولرة في مجموعة البريكس على الاتفاقيات الثنائية فقط، كما أنها تشمل التطورات في أنظمة الدفع. وقد ذكر لافروف أفكاراً لإنشاء منصات دفع بديلة في قمة 2023، فيما أعربت إيران مؤخراً عن دعمها للنظام، ورغبتها في ربط جميع البنوك المركزية في الكتلة. ومن الممكن أن يكون لهذه المبادرة تداعيات كبيرة على استخدام الدولار عالمياً، وبالتالي تقليل النفوذ المالي للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل البريكس أيضاً إنشاء آلية للدفع وتسوية الحسابات، ومن المحتمل أن يؤدي هذا التطور إلى قلب الممارسات المالية الدولية الراسخة.
باختصار، أصبحت مجموعة البريكس أكثر تصميماً من أي وقت مضى على متابعة إستراتيجية إلغاء الدولرة، والآن أصبحت هذه العملية لا رجعة فيها، وهي تعد بتغيير الديناميكيات الاقتصادية العالمية. ويستحق تأثير هذه التغيرات اهتماما دقيقاً، لأنها قد تعيد تشكيل الأسواق المالية الدولية وتوازن القوى الاقتصادية.
وقد استخدمت واشنطن الدولار كسلاح من خلال العقوبات الاقتصادية في سياستها الخارجية، إذ اعتبرتها أقل كلفةً وأكثر إنسانية من التدخّل العسكري. وحتى وقت قريب، كانت تستخدم بشكلٍ أساسي العقوبات ضد الدول “المنبوذة”، بالتواطؤ مع المجتمع الدولي على نطاقٍ أوسع، أو ضد الحكومات الصغيرة. بيد أنّ العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب ضد إيران وعقوبات إدارة بايدن ضد روسيا على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أثّرت في المزيد من الدول بشكلٍ أوسع، وخاصة الحلفاء الأوروبيين الذين طوّروا روابط اقتصادية مع إيران من أجل دعم الاتفاق النووي لعام 2015. وانعكست هذه العقوبات كذلك على السعودية والامارات اللتين كانت قد نسجتا روابط وثيقة مع روسيا وأنشأتا كتلة “أوبك+ ” بهدف التنسيق بين أسواق النفط.
بالمحصلة، يمكن القول إنّ دول البريكس هي المستفيد الأكبر من إيجاد بديل للدولار، وقد اتّخذت خطوات كبيرة بهذا الخصوص، حيث تسعى الصين والهند إلى بناء الطلب الدولي على عملاتهما الخاصة على غرار الولايات المتحدة قبلهما، وركّزت الدولتان على سوق النفط، في محاولةٍ للتفاوض على مبيعات النفط بغير الدولار مع كبار المنتجين من أجل ضمان إمداداتهما النفطية وتعزيز الطلب على عملاتهما الخاصة. من جهتها، ركّزت الصين على السعودية سعياً إلى صفقةٍ حول النفط بعملة الرنمينبي في خلال قمة الرياض في العام 2022. أمّا الهند، فوقّعت في العام 2023 على اتفاقٍ مع الإمارات العربية المتحدة لاستكشاف تسعير النفط بالروبية.
وفي أب 2023، دعا الرئيس البرازيلي لولا إلى إنشاء عملة مشتركة للبريكس. من الناحية النظرية، من شأن وحدة نقدية بين دول البريكس، التي تمثّل حوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي العالمي، أن توفّر بديلاً جذاباً عن الدولار، غير أنّ إنشاء وحدة نقدية من شأنه أن يثير مجموعة من التحديات المعقّدة.
في نهاية المطاف، قد يعتمد ذلك على تطوير دول البريكس مقاربة مشتركة إزاء السياسة الاقتصادية، بما في ذلك الاتفاقات المتعلّقة بالديون وحدود الإنفاق العام. وقد تحتاج هذه الدول إلى توفير شفافية كافية بشأن البيانات الاقتصادية والسياسة النقدية لبناء الثقة بين المستثمرين الدوليين والشركاء التجاريين، وهي عوامل كانت أساسية في ارتفاع الدولار.
وبالتالي، لا تلغي التحدّيات المرتبطة بتطوير عملة للبريكس قيمة السياسات، فبينما تنمو اقتصادات دول البريكس وتتدهور العلاقة بين الولايات المتحدة والصين وتُوسّع الولايات المتحدة نطاق استخدام العقوبات، ستحتاج الدول التي تسعى إلى التجارة المرنة والاستثمار عبر الحدود إلى عملةٍ احتياطية تنافس الدولار أو تحلّ محله، سواء أكانت هذه عملة البريكس أو عملة أحد الأعضاء أو بديل آخر، سيرتكز بروزها كعملةٍ احتياطية على الطلب الدولي مدعوماً بالشفافية والثقة.
استعداداً لذلك، وبحسب المراقبين، من مصلحة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إدارة عمليّة إزالة الدولرة وتنسيقها. وينبغي أن تستعدّ للتجزئة القادمة من خلال تعزيز حيازاتها الاحتياطية البديلة، بما فيها الرنمينبي والروبي والذهب. ويجب عليها كذلك إعطاء الأولوية للعمل مع الهند والصين للتأكّد من أنّ عملاتهما قابلة للصرف، لا سيما في سياق مبيعات النفط.