ثقافةصحيفة البعث

ريمة خضر: الحياء سمة قصائدي ولا أحب البوتكس فيها

حمص- عبد الحكيم مرزوق

صدرت لها ثماني مجموعات شعرية، اثنتان منها موزونة على بحور الشعر، ومجموعة “في مديح الزنبق” الصادرة عن دار الينابيع، ومجموعة “قصائد غير مجهولة” طُبعت في العراق الشقيق.

حدثتنا الشاعرة ريمة خضر في حوارنا معها عن كيفية تلمّس طريقها نحو الشعر بالقول: “الإبداع حمل ثقيل يقع على عاتق حامله مسؤولية الظهور الصحيح في الزمان المناسب والمكان اللائق، وبدأت أشقّ طريقي بنفسي من دون الاعتماد أو الاتكال على موهبة سابقة في العائلة، فعائلتي كانت ككلّ العائلات في الثمانينات  تنجبُ الكثير من الأولاد، لكن كان العلم والأدب والدراسة هي المحاور الأساسية لاهتمامات العائلة التي همّها تأمين لقمة العيش ومصاريف الدراسة والعيش الكريم، فبدأت بالمطالعة باستعارة كتب من المكتبة المدرسية بدايةً، وعندما ضاقت بي العناوين انتقلت إلى مكتبة أكبر عن  طريق الاشتراك ببطاقة إعارة كتب من المركز الثقافي”.

وتضيف: “لم نكن نملك ثمن شراء القصص والكتب المدرسية كانت مجانية كمجانية التعليم حينها، ولم تكن ثقافة المعارض والحسومات موجودة آنذاك على أرض الواقع، ربما كانت ثقافتنا حينها مما نتلقاه من المرئي عبر شاشات الأبيض والأسود، مثلاً أذكر برنامج “على بساط الريح” لمروان الصواف، أحببتُ طريقة انتقائه  للضيوف، حواره معهم وأسلوبه غير المعتاد، خلاصة القول بدأت أزرع وأحصد، مرة أزرع الورد، ومرة أحصد الشوك، وعندي خربشات كتاباتي التي مازلت أحتفظ بها في دفاتر قديمة، بعضها مقفى والآخر نثري، ولست مع أن كلّ ما نكتبه يصلح للنشر، فالرضى الداخلي عن كتاباتنا أولاً هي المعيار، ثم المتلقي ثانياً”.

ورداً على من يقول على الشاعر أن ينطلق من الشعر المستند على بحور الشعر؟ قالت: “كتبت المقفى -العمودي- من دون دراية، وشيئاً فشيئاً صار توجهي إلى الشعر الحديث، وأنا مع كلّ الأجناس الشعرية لطالما تسمع وتقرأ شعراً فيها، فكم من نثرٍ فيه الكثير من الشعر وكم من مقفّى لا يملك من اسمه سوى النظم، وهنا يجدر بنا القول والاستناد إلى جميل ما قاله عميد اللغة العربية طه حسين عن الشعر الحديث وتنويهه إلى قصيدة النثر، حيث قال عندما بدأ الكثير من الشعراء ينحرفون عن الشعر العمودي: “إن الأوزان لم تنزل من السماء ومن حق الشعراء الكتابة بما يسمّونه شعراً حديثاً شرط إبهار النفوس وإرضاء الأذواق بما يحمله الخيال من صور”، لذا أنا مع الشعر حيث يدلك عليه بالوزن أو الموسيقا الداخلية والتحليق بالصور”.

تكتب خضر القصة القصيرة، وهي تشكّل نقطة انعطاف في تجربتها الأدبية، وعنها قالت: “كتبت القصة القصيرة بالتوازي تقريباً مع الشعر، لكنني مقلّة في القصة على حساب المجموعات الشعرية، وسبق أن فزت في مسابقة صلاح هلال للقصة القصيرة في مصر الدورة العاشرة عام 2011، وفزت بالمركز الثاني وكرمت عن قصتي “ربيع الذاكرة”، وهي مسابقة معروفة على مستوى الوطن العربي، ومشاركاتي في القصة ضئيلة، لكنني كتبت منها الكثير ضمن فترة الحرب،  فالأحداث التي عشناها تروي للعالم ألف قصة، لكن لا أجد منها إلا العدد القليل الذي يرتقي لتضمينه ضمن مجموعة قصصية أو المشاركة بها في مسابقات محلية وخارجية، والشاعر هو شخص متعدّد بحدّ ذاته، فهو وخياله وملائكته وشياطينه يشكلون عالماً مختلفاً قد يأخذه الجنون الإبداعي إلى التعقل، من يدري، ومن هنا جاءت فكرة كتابة جنس أدبي آخر أو ممارسة طقوس إبداعية أخرى عند الكثير من المبدعين، نذكر منهم نزيه أبو عفش الشاعر والفنان التشكيلي والموسيقار، ومنهم غادة اليوسف التي تكتب القصة والشعر والرواية، والمسرحي والباحث الموسيقي محمد بري العواني، والأديبة الروائية أنيسة عبود، وغيرهم كثر.

وقالت عن الكتّاب الذين قرأت لهم وأثروا تجربتها الشعرية: “كل كتاب يقع بين يدي أحبّ اكتشافه، سواء أكان شعراً أم قصةً أم رواية أم دراسات أم أدب أطفال، فكل منجز أدبي يرفد مدارك الأديب بأنهار من  المياه العذبة التي تصبح لاحقاً إرثاً تراكمياً على مدار الأيام والسنوات، وبكلّ تأكيد مثل هوس أي شاعر تأخذنا الأسماء الكبيرة لنكتشف كيف وصلت وهل حافظت على خطها البياني التصاعدي في ادهاشنا أم هناك تكرار.. أقرأ أدونيس وأمل دنقل ونزار قباني، وأحبّ الروايات المترجمة والأدب الروسي، ومؤخراً قرأت عن الأدب الياباني، مشكور الأستاذ علي كنعان، وممتنة له بإرساله مجموعة من كتبه التي كتبها في اليابان”.

وعن القاسم المشترك بين مجموعاتها الشعرية الثماني، قالت: “القاسم المشترك  الأكبر هو الشعر، والمضاعف المشترك الأصغر هو أن بعضها لم يسلّط عليه الضوء كما أحبّ وكما يجب، وأعترف بأنني ربما لا أجيد فن التسويق لذاتي  ولإصداراتي، فالحياء سمة قصائدي، وأنا لا أحب البوتكس المحقون في خدي القصيدة”.

وفيما إذا كانت تعتقد بأن كتابة الشعر يحتاج لهندسة الكلمات حتى يكون التعبير في القصائد معبراً عن الحالة التي تريد الوصول إليها؟ قالت: “الكتابة عموماً هي فن معماري بحدّ ذاته، تضع تصميمه المبدئي في مخيلتك، فتأتي الأفكار كجوائز داعمة لما بنيته، والشعر على وجه الخصوص لا يقبل أن يكون حدثاً كلامياً عابراً أو مجرداً من روح الخيال، فالشاعر الحقيقي يهندس قصيدته وفق خطوط تميّز بصمته حتى لو لم تقرأ اسمه تعرف نسبها من بناء القصيدة، الشاعر المتخصّص في المجالات العلمية، ولاسيما الشاعر المهندس ينجح في التصميم الخارجي لهيكل القصيدة، ثم تأتي ثقافته التراكمية لتكسو عظمها بالشيء المبهر، فالمنطق العلمي يتقاطع كثيراً مع خطوط الإبداع والشعري خاصة”.

وحول إذا ما كانت تعتقد بأنها قالت كلّ ما تريده في قصائدها؟ أوضحت أن حالة عدم الرضا هي الحالة الصحية والصحيحة لشعور المبدع، فالثقة الزائدة تأخذه نحو الغرور واكتمال رؤاه لا يعني أن يتوقف على خلق ما هو جديد، وأضافت: “بكل تأكيد مازلت كغيري أحاول، وإلى الآن لم أصل إلى ما أريد”.