ضوابط الإعلام الإلكتروني في ظل التحول الرقمي
أمينة عباس
بعيداً عن كلّ مساوئ الإعلام الإلكتروني التي تتجلّى في كثير مما تقدّمه وسائله المختلفة التي باتت بين أيدي الجميع، يُحسب له قدرته الكبيرة على تسليط الضوء على ما يعانيه الفلسطينيون وكشف ما يدّعيه الاحتلال من أكاذيب وكشف الجرائم والمؤامرات، وخير مثال على ذلك الفيلم الوثائقي الذي افتُتِحت به الندوة التي أقيمت، مؤخراً، في المركز الثقافي الروسي بدمشق بإدارة الباحثة غيداء العمر حول كتاب “ضوابط الإعلام الإلكتروني في ظل التحول الرقمي” لوسيم وني، إذ اعتمد الفيلم الذي حمل عنوان “غزة لتكن الحكاية” إنتاج اتحاد الكتّاب العرب وإخراج هشام فرعون على ما صدر من هذه الوسائل التي رصدت ما قام به الكيان الصهيوني من قتل للمثقفين والأدباء والإعلاميين والفنانين والأطفال وسرقة الآثار.
صدر الكتاب عن دار توتول بالتعاون مع “مركز رؤية للدراسات والأبحاث” ونقابة الصحفيين الفلسطينيين والاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين لمؤلفه وسيم وني الذي لم يحضر الندوة نظراً لوجوده خارج سورية، لكنه قال في كلمة متلفزة: “عالم اليوم يعيش ثورة إلكتروتية رقمية حوّلت العالم إلى قرية صغيرة أصبح فيها الإعلام الإلكتروني في نظر بعضهم ونتيجة تأثيره الكبير عنصراً مهماً من عناصر التغيير والتعديل والتوجيه، وهذا ما لمسناه في الحرب الشعواء التي تُشنّ من قبل العدو على شعبنا الفلسطيني، حيث استطاع هذا الإعلام العابر للحدود جعل جامعات أميركا ودول أوروبية تهبّ لنصرة غزة وطمس الرواية الصهيونية التي تقوم على شيطنة الشعب الفلسطيني واعتمادها الرواية الفلسطينية وقضيتها التي أصبحت القضية الأولى.. من هنا جاء الكتاب الذي يصلح لأن يكون مرجعاً للطلبة والإعلاميين ليسلّط الضوء على هذا الإعلام من حيث تاريخه ومراحل تطوره وأبرز سماته”.
يقول وني في مقدّمة كتابه: “ترك الإعلام الإلكتروني أثراً واضحاً وقوياً على البحوث العلمية في مجال الاتصال عامة وبحوث التأثير خاصة، نظراً لكون تطبيقات الإعلام الجديد أضافت فئة جديدة هي الاتصال غير الشخصي وغير الجماهيري وهي تعني الاتصال المرتبط بوجود أداة تكنولوجية تتوسّط العلاقة بين طرفي العملية الاتصالية فلا تجعلها تقوم على قاعدة الاتصال المواجه المباشر ولا تأخذ سمة الاتصال الجماهيري، وقد أطلق على هذا النوع اسم الاتصال الوسطي، وتأتي أهمية هذا الكتاب من أهمية موضوعه، كون المتفحص في أمر الإعلام الإلكتروني وتطبيقاته ومدى انتشاره في المجتمعات وتأثيره أخذ في الاعتبار خصائص المشهد الإعلامي الإلكتروني ليستطيع أن يحدّد أهمية الموضوع من وجهة نظر أكاديمية وعلمية، أملاً في أن يفيد هذا الكتاب الطلبة الدارسين في أقسام وكليات الإعلام في مرحلتَي البكالوريوس والدراسات العليا كمرجع علمي، فضلاً عن الباحثين والمهتمين بقضايا الإعلام الإلكتروني”.
وتتفق الإعلامية هدباء العلي في قراءتها النقدية للكتاب مع ما قاله وسيم وني حول أهمية الكتاب كمرجع للطلاب والباحثين والمثقفين، تقول: “في الكتاب إجابة عن تساؤلات كثيرة تخصّ سلبيات وإيجابيات المنظومة الإلكترونية، ويمكن أن يكون داعماً ثقافياً للصحافة الإلكترونية وما قدّمته من تطوير يفيد الإعلام الذي سلّط الضوء على القضية الفلسطينية وأبطل مزاعم الصهيونية، ويحمل الكتاب بين دفتيه ستة فصول تحت عناوين مختلفة تحيط بالموضوع الرئيسي وتتفرع عنه بما يشبه السلسلة، حيث تتوالى حلقاتها حتى لا تترك انقطاعاً وفجوة لدى القارئ لكي يستطيع أن يطلق على الكتاب الجامع والشامل لكلّ ما يتعلق بالإعلام الألكتروني وقضاياه”، وتساءلت العلي: “على الرغم من أنّ هذا الاعلام يأتي في سياق ثورة المعلومات والتقنيات الحديثة واستجابة للواقع الراهن بما يواجهه من تحديات عدة، لكنه يطرح الكثير من التساؤلات، أبرزها تحديد موقعنا في خضم هذه الثورة الكاسحة التي تكاد تبتلع الفضاء الإلكتروني برمته، خاصة وأنَّنا أمة لا زالت تعاني أمية أبجدية فكيف بالأمية الإلكترونية؟ مع الإشارة إلى أن الصناعة الإلكترونية لها حسناتها ونقائصها، وتتمثل حسناتها بأنَّها عابرة للحدود الجغرافية وتقلّص المسافات بين الكاتب والقارئ بسرعة الوصول وهامش التعبير الواسع وتكاليف الإنتاج البسيطة ما يجعلها تكتسب الجولة في السباق مع الإعلام التقليدي، أمّا سلبياتها فأهمها ضعف الرقابة والمنافسة الشديدة على الشابكة وبروز مواقع إعلامية شعبية كمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الشخصية وغياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، مع الاعتراف بأن الصحافة الإلكترونية ما زالت في مرتبة متدنية بالنسبة للإعلام الرسمي في كثير من الدول بسبب غياب القوانين الناظمة لعملها”.
وأثنى أ. إبراهيم سعيد ممثل دائرة العلاقات العربية في منظمة التحرير الفلسطينية على أهميَّة موضوع الكتاب قائلاً: “لعب الإعلام الإلكتروني دوراً بارزاً ومهماً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، تجلّى بالمظاهرات ضد العدو في عدد من المدن الأوروبية، حيث أظهر حقيقة ما يجري خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية والقدس، وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم بأسره، ومع أهمية التحول الرقمي والانتشار الواسع للإعلام الإلكتروني أصبحت ضوابط وتنظيمات هذا المجال أمراً بالغ الأهمية لضمان سلامة المحتوى الإعلامي وحماية المستخدمين لضمان استفادة المجتمع من المزايا من دون المساس بالقيم والأخلاقيات، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب وما طرحه لأننا بحاجة ماسّة اليوم إلى الضبط الإعلامي وبناء الذوق العام للمجتمع والارتقاء بمنظومة القيم والأخلاق فيه، خاصة وأن مجتمعنا أصبح يعتمد على الشابكة الإلكترونية بشكل متزايد، وصارت منصات التواصل الاجتماعي تؤدي دوراً رئيسياً في بناء الوعي، وركناً أساسياً للتواصل اليومي واستقبال المعلومات بالنسبة لكثير من الأشخاص في العالم”.
ودعا الكاتب والإعلامي سامر منصور الذي تابع نشر الكتاب في سورية إلى أن “التعاون والعمل على تسخير المنظومة الإلكترونية لخدمة القضية الفلسطينية بين المثقفين ضرورة مهمّة، وهذا ما تضمّنه الكتاب الذي تكمن أهميته في منهجيته وهدفه، حيث يهدف إلى حماية أصول العمل الإعلامي في منحاه الإلكتروني الراقي لكي تكون الرقمنة وسيلة تخدم الإعلام عوضاً عن تشويش أسسه ومعاييره، وهذا يخدم الدفاع عن مهنة الإعلام في مواجهة فوضى المُتغيرات، ويأتي قبيل التقعيد الأكاديمي في نطاق سيرورة هذه المهنة، ما يجعله مرجعاً لأجيال الإعلاميين الصاعدة وللأجيال التي ما زالت مفاهيم ومعايير وآليات الرقمنة في هذا المنحى مُلتبسة عليها”.