الولايات المتحدة تقف على الجانب الخطأ
عائدة أسعد
فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ستة أفراد وخمسة كيانات مقرّها في الصين، زعم المكتب تورّطهم في شراء مواد تدعم برامج الصواريخ الباليستية والفضاء لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
ويعتبر هذا أحدث تحرك من جانب الولايات المتحدة للاستفادة من قضايا النقاط الساخنة الإقليمية لتعزيز أجندة واشنطن الجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحت مزاعم أن برامج الصواريخ والفضاء في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تشكل انتهاكات صارخة لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعدّدة، كما يُظهر إجراء وزارة الخزانة سبب استمرار قضية شبه الجزيرة الكورية لفترة طويلة.
إن ركود عملية حلّ قضية شبه الجزيرة الكورية منذ عام 2018 متجذّر في عدم استجابة الولايات المتحدة لتدابير نزع السلاح النووي التي اتخذتها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وتجاهلها للمخاوف المشروعة لهذه الأخيرة.
وبدلاً من ذلك، فرضت الولايات المتحدة، بدءاً من الخمسينيات، عقوبات شاملة والتي هدّدت بلا هوادة سبل عيش شعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لمدة تقرب من 80 عاماً، على الرغم من ادّعائها بأنها تهتمّ بالوضع الإنساني في البلاد.
أما الصين فهي تدافع عن التنفيذ الشامل والمتوازن لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتعارض بشدّة النهج الانتقائي الذي يؤكد فقط على العقوبات ويقلّل من قيمة الحوار.
إن واشنطن، التي تحتاج دائماً إلى بناء الأعداء كذريعة لنشر قواتها العسكرية في جميع أنحاء العالم، لم تفكر إلا مرة واحدة في حلّ القضية، لكن هذا لم يفلح، ومنذ ذلك الحين تبذل قصارى جهدها لإطالة أمدها.
كما أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى إضعاف الطرف المباشر في الصراع فحسب، بل تسعى أيضاً إلى محاولة الاستفادة من هذه القضية بقدر ما تستطيع، وهو ما يشمل استخدامها كذريعة لحشد الحلفاء والضغط على المنافسين وإكراه الآخرين.
وينظر الإستراتيجيون الأميركيون إلى الأول باعتباره الفائدة المباشرة للأزمة، والثاني باعتباره مشتقات وقد تفوق فوائده الفائدة المباشرة ومن خلال إطالة أمد قضية شبه الجزيرة الكورية لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، استغلتها واشنطن لتشكيل التخطيط الجيوسياسي للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وبالتالي، فإن تلك البلدان والأحزاب التي تعمل بجدية لحلّ الأزمات أو القضايا التي تخلقها واشنطن تصنّفها الولايات المتحدة دائماً على أنها مثيرة للمشكلات، ويمكن أن تكون علاقاتها الطبيعية مع الطرف في مركز القضية ذريعة للولايات المتحدة لتبرير العقوبات أو الترهيب، وفي الأساس تحمي الولايات المتحدة بحذر أي طرف يحاول حلّ هذه القضايا والأزمات التي حافظت عليها بشق الأنفس كأصول جيوسياسية استراتيجية.
إن أولئك الذين يتصرفون في تحدّ لتحذير الولايات المتحدة بالابتعاد سوف يكونون عرضة لحملة وصم من جانبها لتشويه سمعة وسطاء السلام الحقيقيين باعتبارهم طيوراً من الريش نفسه مع ما تصفه بالقوى الشريرة في قلب القضايا، ولكن عندما تكون الولايات المتحدة نفسها أو حلفاؤها هم الذين ينتهكون قرارات مجلس الأمن بشكل صارخ، وهو ما فعلته “إسرائيل” لعقود من الزمان على أرض فلسطين، حيث وصفت تل أبيب وكالات الأمم المتحدة بأنها منظمات إرهابية، وقتلت أكثر من 190 موظفاً من الأمم المتحدة في غزة منذ تشرين الأول، ولا يزال بإمكان المشرّعين الأميركيين أن يمنحوا المنتهكين تصفيقاً حاراً في مبنى الكابيتول كما فعلوا يوم الأربعاء الماضي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لقد حظيت جهود الصين لتعزيز القرارات المتعلقة بشبه الجزيرة الكورية وأوروبا والشرق الأوسط باعتراف واسع النطاق، ولكن هذه المساعي كانت تشكل باستمرار ذرائع للولايات المتحدة لمعاقبة الصين وتشويه سمعتها واحتوائها، وفيما يتصل بالتعامل مع هذه القضايا الساخنة، لابدّ وأن يكون هناك طرف واحد بين الصين والولايات المتحدة يقف على الجانب الخطأ من التاريخ، والصين ليست هذا الطرف.