الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

بعضٌ من حسَرات

عبد الكريم النّاعم

*لا تخلو حياة الإنسان من الحَسْرة، وكما قال الشاعر “ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يُدركُهُ”، بل هو، في أزمنة ما، يُدرك شيئاً من بعض، لا من كلّ، وبهذا المعنى ما تكاد تنتهي الحسرات، وفيها شيء من التمنّي، فالمتحسّر يتمنّى ضمناً لو أنّ الأمور سارتْ في اتجاه آخر، ولا يخلو من طموح ورغبة، كأنْ يقول قائل “ليت هذا لم يكن”، وهذا ميدانه إمكان التحقّق، ما يجعل الأمر أكثر حميميّة ذاتيّة، فمعاون المدير الذي يرى أنّ فرصته تقترب من أن يكون مديراً، لأنّ مديره سيُحال على التقاعد بعد أشهر، ثمّ يُفاجَأ بتعيين مدير من خارج الدائرة، وقد لا يعرف عنها الكثير.. وأن يتطلّع إلى أن يكون مديراً ذلك في حدود الممكن المُحتمَل، أمّا أن يحلم معاون المدير أن يكون زعيماً تتطلّع إليه العيون، وتصفّق له الأكفّ، وتنتظر الآذان سماع ما سيُقوله، فذلك في حدود الحلم.. الحلم الذي قد يلعب دوراً في التوازنات النفسيّة، لكنّه لا يشعر بمرارةِ، أو بحسرة أنّه ليس زعيماً، لإدراكه استحالة ذلك، وأنا واحد من الذين تُداهمهم حسرات كثيرة، تقتحم عالمي من دون أيّ استدعاء، وكلّما امتدّ بنا العمر كلّما كانت حسراتنا أكبر، وحين يسيطر عالم التمنّي، تبدو الصورة بحاجة إلى كثير من الإنارة، وهذا يشمل البلدان التي نقول عنها إنّها متقدّمة، وربّما بعضها يشكو مواطنوها من فيض رفاهيّة ملّ منها.

*أقرب الحسرات إليّ الآن مُدة الكهرباء، وهذا يُعيدنا إلى مربّعات مررنا بها، وهي ممّا لا يسرّ، فالكهرباء الآن مدتها أقلّ من ساعة، بعد أن كانت تأتي مدّة ساعة ونصف، وأحياناً ساعتين، وهذا يفي بـ”نتفة” من الأغراض، ولعلّ ما قد يخفّف، لو يستمرّ التيار مدة ثلاث أو أربع ساعات، فنحن ما نزال مُلاحقين، لأنّ العديد من الأمور مرتبط بوجود الكهرباء، وغيابها يزيد في المساحات الضاغطة، وهي مساحات ليست قليلة، وليس فيها شيء من أُنس ما يُسمّى حياة، بدءاً من لقمة الخبز وحتى لقمة الدواء.

بالمناسبة، مرّ على آخر دور لنا في استلام جرّة الغاز أكثرمن ثمانين يوماً، وثمْة مَن يتبجّح أنّ استلام الجرّة كلّ خمسة وستّين يوماً، وهذا ما يجعلنا نتحسّر على أيام كان يُنادى على الغاز من البائعين المتجوّلين؟!

* على صفحة الـ “فيسبوك” نُشر أنّ مواطناً من مدينة جبلة السورية نجح في تسيير سيارته بتزويدها بالماء، وذُكر أنّ له اختراعات أخرى مسجَّلة باسمه، وهذا إنجاز، لأنّه يوفّر الكثير الكثير، ولقد قرأت أن آخرين غيره من السوريين المقيمين، ومن الذين اضطرّوا للهجرة من البلاد، قد أفلحوا في إنجازات متعدّدة مختلفة المستويات، أليست حسرة خانقة ألاّ نسمع، أو نرى أيّ اهتمام من الجهات المعنيّة بمثل هذا المُبدع، ومَن قاربه في الاختراع؟!! تُرى كم يكون في استخدام الماء بدلاً من البنزين من وفْر، ومن نظافة في البيئة، ومن نتائج إيجابيّة أخرى؟!

تقتحم الذّاكرة فكرة أنّ رأسمالنا الوطني – إنْ صحّت التسمية – هو رأسمال طفيليّ، شديد الجبن، فاقد الإحساس بحاجات المواطن، همّه الربح السريع، وعنايته بما يزيد ويتراكم، دون التفكير فيما ينفع البلاد والعباد، وفي هذا جيوش جرّارة من الحسرات المتكاثرة تكاثر الأوبئة.

* أرى من إطلالة بيتي أبناء أجيالنا المتوالدة من الشباب والشابات، وأتساءل: هل فكّرنا بما في عقول هؤلاء الأبناء، وبأحلامهم، وبمشاعرهم؟ وهل يهجسون بمصير البلد، ومستقبله أم أنّ كلّ مطامحهم صارت معلّقة بكلاّب مغادرة البلاد إلى إحدى دول أوروبا؟ أليست حسرة وغصّة خانقة؟!.

نحن سوقٌ للحسرات…

aaalnaem@gmail.com