شهداء المجدل.. شمس الجولان الساطعة
أحمد حسن
بالأمس، أعادت مجدل شمس، ومعها بقية أنحاء الجولان السوري المحتل، اجتراح معجزتهم مرة جديدة، فمن أمام نعوش أطفالهم ومثاويهم الأخيرة أطلقوا صرختهم التاريخية في وجه المحتل: “ارحل أيها القاتل، لن نسمح لك بالرقص على دماء أطفالنا، ولن نسمح لمشروعك الفتنوي أن يمرّ على دمائهم التي سفكتها، كعادتك، عامداً متعمداً على مذبح جريمتك المستمرة”.
وبالأمس، أعلنت مجدل شمس للمرة الألف أنها تعرف السبب والمسبب، وأن القاتل الصهيوني يعاقبها على رفضها الخضوع له وحمل “جنسيته” – منذ أن صوّت ما يسمى بـ “الكنيست” يوم 14 كانون الأول 1981، على “قانون ضم الجولان” – كما رفضت الانخراط في مشروعه القاتل بتفكيك النسيج الاجتماعي الثري عبر كيّ الوعي الجمعي الوطني رغم احتلاله المديد لها، ورغم كل ما مارسه من ترغيب وترهيب، كان آخر صوره مجزرة الأطفال الأبرياء في الملعب البلدي.
تعرف مجدل شمس، وللمدن ذاكرتها المدهشة، أن قدرها أن تودع أبنائها بيد، وأن تكفكف دمعها بالأخرى، كي لا يفرح شامت أو يسرّ عدو، وأن عليها أن تواجه في كل لحظة مكر محتلّ، وصفاقة قاتل، وأن تبقى صامدة رغم شدّة رياح الفتنة، التي تضعف البعض فيتخاذل متستراً برداء “العقلانية” و”العين التي لا تقاوم المخرز”، لتقول له إن “ابنة الشمس” لا ترى إلّا بنور “أمّها” الوضاء، وبالتالي فهي تعرف أكثر من سواها أن ما حدث وسيحدث، هو بعض فصول الحرب المعلنة التي بارك خطواتها “كونغرس القتلة” بالتصفيق وقوفاً ثمان وخمسين مرة لـ “نتنياهو” مجرم الحرب المطلوب دولياً.
وبذاكرة المدن المدهشة تعرف مجدل شمس أن القاتل ذاته، ولو كان حينها باسم ارييل شارون، واستناداً إلى الدعم الأمريكي المطلق، استغل عام 1982، انشغال كوكب الأرض بكأس العالم لكرة القدم، وتعلق بذريعة مفبركة – محاولة اغتيال سفير الكيان في لندن – لاجتياح بيروت وإبعاد المقاومة عن حدود الأرض المحتلة، وبالتالي فإنه اليوم، وباسم بنيامين نتنياهو، واستناداً إلى تجديد صك القتل من “كونغرس القتلة” يحاول استغلال انشغال العالم بأولمبياد باريس متعلقاً بذريعة “المجزرة” المدانة لافتعال فتنة أهلية واستخدامها للقضاء على المقاومة أينما كانت.
وبذاكرة المدن المدهشة تعرف “المجدل” أيضاً أن الشمس لن تُغطى بغربال الفتنة، وأن دماء أبنائها، التي سالت أمس الأول، هي امتداد لدماء آبائهم وأمهاتهم التي سالت على مدى عقود من الاحتلال تمسكاً بالهوية والحق الساطع بالحرية والكرامة الوطنية.
خلاصة القول، رغم كل التصفيق الذي لاقاه القاتل في “كونغرس القتلة”، ورغم شناعة الجريمة، التي كانت إحدى أولى ثمرات هذا “التصفيق”، فإن مجدل شمس لن تسمح له بإمرار خطته الفتنوية على دماء أبنائها بل إنها – وهذا قدرها وخيارها في الآن ذاته – ستضيف هذا الدم المسفوك غدراً إلى ما سبقه لتصنع منه “طوفاناً” سـ “يكنس”، في طريقه، القتلة إلى مصيرهم، ومكانهم، المحتوم.