دراساتصحيفة البعث

هل ستغير كامالا هاريس موقف بلادها الداعم للحرب في غزة؟

سمر سامي السمارة  

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية السريالية لعام 2024، والتي تتصف بأنها عالية المخاطر من خلال منعطفاتها المفاجئة، يرى مراقبون أن الأمر الوحيد المؤكد تقريباً عند خط النهاية- ستُحسم الانتخابات بهامش صغير نسبياً، وأن كامالا هاريس، بصفتها المرشحة الديمقراطية المحتملة، ستفعل كلّ ما بوسعها لجذب أكثر من 650 ألف ناخب ممن صوتوا بـ”غير ملتزم” أو أدلوا بأصوات احتجاجية أخرى في الانتخابات التمهيدية.

وأكدت نائبة الرئيس هاريس أن استطلاعات الرأي كشفت عن تخلّف الديمقراطيين بفجوة كبيرة عن الجمهوريين وبفارق 11 نقطة وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسّسة “غالوب” قبل انسحاب الرئيس جو بايدن. وبالنظر إلى القلق الوجودي المبرّر لدى الناخبين ذوي الميول الديمقراطية إزاء الدوافع الاستبدادية للرئيس السابق دونالد ترامب، فإن مثل هذه الفجوة في هذه الانتخابات مذهلة.

وقد انعكس جزء على الأقل من “فجوة الحماس” هذه في تصويت الناخبين بـ”غير ملتزم” على مدى الأشهر القليلة الماضية، فبالإضافة إلى 650 ألف ديمقراطي صوّتوا ضد بايدن بالإقدام على خيارات مثل “غير ملتزم”، وما إلى ذلك، فإن ملايين الديمقراطيين العاديين غير راضين عن العدوان على غزة، وحسب استطلاع أجرته رويترز، فإن 44٪ من الناخبين الديمقراطيين لا يوافقون على طريقة تعاطي الإدارة مع العدوان على غزة.

ومن الواضح أن الناخبين العرب الأميركيين يراقبون عن كثب الإجراءات التي تتخذها هاريس بشأن غزة، كذلك ينطبق الأمر نفسه على الدوائر الانتخابية الحاسمة الأخرى، فالناخبون الأصغر سناً، وخاصة من ذوي البشرة الملونة، أكثر ميلاً إلى دعم وقف إطلاق النار الفوري في غزة وعدم الموافقة على انتهاكات “إسرائيل” المستمرة، فقد بعثت سبع نقابات عمالية رئيسية، تمثل 6 ملايين عامل، برسالة إلى الرئيس بايدن وطالبته بـ”إيقاف المساعدات العسكرية لإسرائيل”.

كما قال عدد من المسؤولين السابقين في إدارة بايدن الذين استقالوا احتجاجاً على سياسة البيت الأبيض تجاه “اسرائيل” أنهم “متفائلون إلى حدّ ما” بشأن كيفية تعامل هاريس مع العدوان على غزة، مشيرين إلى أنها دعت إلى وقف إطلاق النار قبل أن يفعل بايدن ذلك.

ووصف جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، والذي شارك في نقل الأسلحة إلى حلفاء الولايات المتتحدة، أن هاريس تبدو أقل “ثباتاً وتعنتاً” من بايدن بشأن غزة، مضيفاً: أودّ أن أقول أن لديّ تفاؤلاً حذراً ومحدوداً، ولكن لديّ أيضاً شعور عميق بالارتياح، لأن الحزب الديمقراطي لن يرشح لرئاسة الولايات المتحدة رجلاً جعلنا جميعاً متواطئين في الكثير من الأذى غير الضروري.

في الوقت نفسه، يشعر معظم المراقبين أنه من غير المتوقع أن تحدث تحولاً جذرياً عن مواقف بايدن بناءً على تاريخها في الدعم القوي للكيان الصهيوني.

مؤخراً، أصبحت رسائل بايدن- هاريس تركز بشكل أكبر على السعي إلى السلام ووقف إطلاق النار، ففي خطاب بايدن الذي تناول فيه قراره بالانسحاب من السباق، تودّد الرئيس الناخبين المؤيدين للسلام متفاخراً بأنه “أول رئيس في هذا القرن يبلغ الشعب الأمريكي أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب في أي مكان في العالم”.

من المؤكد أن هذا الخطاب في أفضل الأحوال لم يكن سوى كذبة، فقد قصفت الولايات المتحدة اليمن قبل ساعات.

كشفت تصريحات هاريس عن تبنيها رؤية مختلفة بالنسبة للحرب التي تشنّها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقالت عقب لقائها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، يوم الخميس: “لا يمكننا غضّ الطرف عن هذه المآسي التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزة. لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدّرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت”، مشيرةً إلى أنها أكدت لنتنياهو “قلقها العميق” إزاء عدد الضحايا في القطاع، وأن الوقت حان لوضع حدّ للحرب “المدمرة” المستمرة في غزة منذ أكثر من 9 أشهر.

يرى مراقبون أن تصريحاتها حول المجاعة في غزة لا تغطيها وسائل الإعلام بشكل كافٍ، فقد ذكرت كلمة الفلسطينيين أكثر من كلّ خطابات جو بايدن مجتمعة، لكن هذا مجرد إظهار المزيد من التعاطف تجاه الفلسطينيين، في حين يتمّ شحن الأسلحة إلى “إسرائيل” التي تستخدم في قتل هؤلاء الفلسطينيين أنفسهم،  وهذا من غير المرجح أن يسهم بكسب تأييد الناخبين غير الملتزمين أو ينشط الناخبين المؤيدين للسلام.

إن المهمّة أمام هاريس شاقة، فمن الناحية المثالية، تحتاج إلى تحقيق وقف إطلاق النار على الرغم من حقيقة أنها ليست (حتى الآن) رئيسة الولايات المتحدة، وعلى الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً حقيقية على نتنياهو من خلال إنهاء تدفق الأسلحة إلى حكومة الكيان الصهيوني، وفي حال لم يوافق نتنياهو على وقف إطلاق النار، فإن إدارة بايدن- هاريس تحتاج إلى أن تصبح أكثر حزماً من حيث السياسة الملموسة.

وضع ماثيو داس، نائب رئيس مركز السياسة الدولية، بعض التغييرات السياسية التي يمكن أن تشكّل الأساس لتحول حقيقي بشأن غزة: يمكنها أن تعلن أنها كرئيسة، ستعلق على الفور المساعدات العسكرية التي تقدّمها الولايات المتحدة والتي تُستخدم في انتهاك للقانون الأمريكي، بالإضافة إلى رفض الادّعاءات التي لا أساس لها والمثيرة للجدل بأن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا)، وهي أكبر وأهم وكالة إغاثة في غزة، هي “واجهة لحماس”، وتصرح بأنها ستعمل على استئناف تمويل الأونروا في أقرب وقت ممكن قانونياً.

إن القواعد الشعبية لها دور تلعبه في كل هذا، لكن من غير المرجح أن تغيّر هاريس مسارها دون أن تدفعها قاعدتها إلى القيام بذلك. الآن بعد انتهاء حملات صناديق الاقتراع، تدفع الحركة الوطنية غير الملتزمة بحملة “لا لقنبلة أخرى” لدفع هاريس إلى اتخاذ موقف أكثر جرأة بشأن إنهاء الحرب.

إن جماعات السلام مثل “منظمة العمل من أجل السلام” تدعو هاريس إلى دعم فرض حظر على الأسلحة على “إسرائيل” وغير ذلك من السياسات الملموسة، ويتعيّن على كل من يهتمّ بهذه القضايا أن يتصل بنائبة الرئيس وينقل إليها الرسالة التي مفادها أن كلماتها المتعاطفة مريحة، ولكن الوقت قد حان منذ فترة طويلة لاتخاذ إجراءات جريئة لإنهاء القتل والمجاعة في غزة إلى الأبد!.