وظائف ستختفي عام 2030.. حان الوقت لنأخذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي على محمل الجد!!
غسان فطوم
هل ستندم البشرية على إطلاق “وحش” الذكاء الاصطناعي؟، سؤال سبق وطرحناه على صفحات “البعث”، ونجزم أنه سيظلّ سؤال الساعة، فمخاطر هذا “الوحش المفترس” تزداد، وخاصة عندما يقع بين الأيدي الخاطئة أو الجاهلة لاستخداماته، وفي الوقت ذاته فوائده واستخداماته الإيجابية كثيرة جداً، ومن المفروض أن نستثمرها ونعزّز حضورنا، وإلا سيفوتنا قطار التكنولوجيا، خاصة وأن “الذكاء الاصطناعي” بدأ يهدّد اختفاء الكثير من الوظائف التقليدية، الأمر الذي أقلق القوى العاملة وأصحاب العمل، واستنفرهم بكل اتجاه للعمل والتكيف مع هذه التقنية المخيفة والمفيدة، فماذا نحن فاعلون؟!.
خطا متسارعة
بحسب آخر استطلاع عالمي أجرته شركة “ماكنزي” حول الذكاء الاصطناعي، كشف “أن الشركات في العالم تتجه في خطا متسارعة لتبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالها، وأن ذلك سيقضي على عدد من الوظائف”، وأشار التقرير إلى أن “الطلب على وظائف الذكاء الاصطناعي سيرتفع في عدد قليل من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والبناء والتعليم، في حين سيكون الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً من اليوم وحتى عام 2030 على اقتناص وظائف في 4 مجالات، هي المساعدة الإدارية وخدمة العملاء أو المبيعات وخدمة الطعام والإنتاج والتصنيع”.
سؤال محلي
ما هو الحال عندنا في سورية فيما يتعلق باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مؤسساتنا الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص أيضاً؟.
من وجهة نظر العديد ممن التقيناهم وسألناهم من متخصّصين في التكنولوجيا والمعلوماتية، وعاملين في مفاصل إدارية مهمّة، وباحثين ومحللين، أننا ما زلنا بعيدين كثيراً، ويلزمنا الكثير حتى نصل إلى محطة الذكاء الاصطناعي، وعلّق بعضهم بالقول “خلينا أولاً ننجح بالدفع الإلكتروني ونحل مشاكله، وكيفية إيصال الدعم النقدي لمستحقيه بالطرق المناسبة، وبعدها نفكر باستخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي!”.
ليست مستغربة
بالطبع الإجابة ليست مستغربة قياساً بواقع حال البنية التحتية لمؤسساتنا التي لا تسمح بتطبيق ذلك، وكذلك نحن كأفراد غير مؤهلين ومدرّبين، لذلك ليس غريباً ألا يكون هناك “لا حس ولا خبر” عن الذكاء الاصطناعي إلا ما ندر، في وقت بات هو الشغل الشاغل للعالم الذي يلهث في كل اتجاه من أجل لاستفادة القصوى من تطبيقاته واستخداماته الإيجابية!.
نحن أحوج من غيرنا
يقول الإعلامي حسين الإبراهيم المتخصّص في المحتوى الرقمي والذكاء الاصطناعي: إن سورية قد تكون من أكثر الدول التي تحتاج لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، نظراً لظروفها الخاصة، وتوجهها نحو الانتقال إلى مرحلة التعافي، وهذا الأمر يتطلّب إنجاز خطوات أساسية من أهمها: العمل على تعزيز التعليم والتدريب، ويتطلّب أيضاً التركيز على تعليم وتدريب الأفراد في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك تطوير مناهج تعليمية متقدّمة في المدارس والجامعات، وتوفير فرص تدريبية متخصّصة، والعمل أيضاً على دعم وتحسين البنية التحتية الرقمية والاتصالات لضمان توفر الإنترنت عالي السرعة والوصول إلى التكنولوجيا الحديثة في جميع أنحاء البلاد.
سياسات داعمة
ودعا الإبراهيم الحكومة إلى وضع سياسات داعمة لتطوير الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تقديم الحوافز للشركات الناشئة والمستثمرين في هذا المجال، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات لإدارة المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل حماية البيانات والأمن السيبراني، ولفت إلى أهمية الاستثمار في البحث العلمي التطبيقي وتطويره من أجل تعزيز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ويمكن تحقيق ذلك “برأيه” من خلال إنشاء مراكز بحثية متقدمة قائمة على التطبيق لا التنظير، وتقديم الدعم المالي للمشاريع البحثية المتميزة، مؤكداً أهمية التعاون مع الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية لتبادل الخبرات والمعرفة والمشاركة في مشاريع تعاونية.
الوقوف على الأطلال!
ولم تخرج رؤية الباحث والمحلّل الاقتصادي محمد السلوم عن الرأي السابق، مؤكداً بدوره أن الاستهتار بالوقت، والوقوف على الأطلال ليس في صالحنا، فالعالم -تكنولوجياً- يتقدم بسرعة ويتغيّر من حولنا، وعلينا أن ننخرط فيه ونكون فاعلين لا منفعلين، لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة بدأت تفرض نفسها بشكل ملحوظ في مختلف المجالات، حيث ينشغل العالم بكيفية الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وخاصة بعد أن أثبتت التجارب العالمية مدى دوره في تبسيط المهام وتحسين كفاءة العمل والأهم تحقيق وفر كبير جداً في الأجور والتكاليف الأخرى للتشغيل.
ولم ينفِ السلوم تأثير العقوبات على سورية من قبل الشركات المصنّعة للمعلوماتية والتكنولوجيا، والتي تمنعنا من الحصول على آخر جيل من المعدات اللازمة للذكاء الاصطناعي، لكن هذا -حسب قوله- لا يمنع من تدريب وتأهيل الكوادر، وخاصة في الجامعات والمؤسسات لجهة كيفية التعامل مع استخدامات التكنولوجيا الحديثة، داعياً إلى تحسين جودة الاتصالات وتقوية شبكة الانترنت، والنظر في تخفيف تكاليفه المرتفعة، التي تجعل الكثيرين لا يبدون اهتماماً باستخدامات الذكاء الاصطناعي، نتيجة الجهل بها وانعدام القدرة الشرائية للأجهزة الحديثة، كالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر على اختلاف أنواعها ومسمّياتها، وكل الأجهزة التي تقوم بتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ورغم التخوّف من تقنيات الذكاء الاصطناعي، يرى السلوم أنه لا مناص من الانخراط بها واقتناص المكاسب مستقبلاً، وهذا ما يحتّم على الجهات التنفيذية في الدولة إعداد الخطط والبرامج وإيجاد أفضل الطرق في مجال استثمار الذكاء الاصطناعي.
قاطرة التنمية
أثناء اللقاء مع عدد من طلبة كليتي الهندسة المعلوماتية، والميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، كان هناك إجماع من قبل الطلبة على ضرورة اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي، وبعضهم وصفه بـ”قاطرة التنمية الحديثة” في كلّ العالم، وعلينا في سورية ألا نكون بعيدين عنها، بل العمل على اللحاق بها.
ورغم إقرار الطلبة بصعوبة المهمّة، بوجود أولويات أخرى عند الحكومة، فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي والمعيشي، لكن ذلك برأيهم يجب ألّا يشكل عائقاً بالاهتمام والاستثمار بتقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، أقلها المحاولة في الاستفادة منها في الإدارة وتحليل البيانات وتعديلها بالتماشي مع مشروع التحول الرقمي، والذي بالنتيجة سيحقق التحسّن في الأداء والإنتاج عن طريق الأتمتة التي ستحلّ عاجلاً أم آجلاً مكان اليد البشرية، حيث أثبتت التجارب أن الذكاء الاصطناعي لديه قدرة وفاعلية أكبر من قدرة البشر، فيما يخصّ تحليل البيانات وتوجيه السياسات والقرارات في مختلف المجالات.
هندسة الأوامر
وفيما يخصّ مقترحاتهم لتحسين جودة التعليم الجامعي باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، سواء في كلية المعلوماتية، أو باقي الكليات الجامعية، والمعاهد التقانية والعليا، بيّن الطلبة أنهم بحاجة لمناهج تنمّي لديهم مهارة التفكير المبدع، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كاستخدام ما يسمّى بـ”هندسة الأوامر” التي تحفز لدى الطلبة التفكير النقدي وتمكنهم من حلّ المشكلات المعقدة بإيجاد الحلول السريعة لها وبنسبة نجاح عالية.
وذهب البعض من الطلبة إلى الدعوة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم أداء الطلاب وكيفية تحسينه، مشيرين إلى وجود ظلم كبير يطالهم في هذا الخصوص، رغم كفاءة الطلبة ومقدرتهم العالية!.
مبادرات تحتاج لدعم
وفي سياق الحديث عن أهمية الذكاء الاصطناعي في دعم جودة التعليم، من المفيد الإشارة هنا إلى عدة مشاريع طلابية قام بها عدد من طلبة الجامعات الحكومية والخاصة في محاولة منهم لولوج عالم الذكاء الاصطناعي، بعضها شارك في معارض مهمّة، حيث كان لافتاً وجود تصاميم لأنظمة تحكم قابلة للتطبيق وأنظمة بيانات مضمونة بنتائجها وغيرها من المشاريع.
إدارة.. إرادة
بالمختصر، شئنا أم أبينا، نحن أمام تقنية حديثة، تشقّ طريقها يوماً بعد يوم إلى حياتنا، لدرجة لم يعد بالإمكان تجاهلها، لذا من المفروض أن نعمل بكل الوسائل والسبل للاستفادة من إيجابياتها واستثمارها في خدمة تطوير الأداء وتحسين الإنتاج، من خلال السرعة في الإنتاج وتوفير ما أمكن من الموارد المادية، وألا نعلّق تقصيرنا في هذا الجانب على وجود صعوبات في تأمين المستلزمات التقنية، ومع إقرارنا بوجود هذه العقبة التقنية، لكن نحن على يقين أنه عندما تتوفر الإدارة الناجحة والإرادة القوية والعقول التي تفكر خارج الصندوق يمكن التغلب على كل العقبات، ونختم بمعلومة، أكدتها المراكز المتخصّصة في جمع البيانات وتحليلها، والتي توقعت “أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بنسبة تصل إلى 54% كل عام”، فدعونا نكون من رواد هذا السوق لا من المتفرجين عليه!.