اقتصادصحيفة البعث

0.52 % فقط نسبة شركات المساهمة العامة.. “عقلية الحجي” تعيق تحول الشركات

دمشق – ريم ربيع 

بين من يعتبرها “شركات تجميع أموال” ومن يتخوف من “شفافيتها التي في غير وقتها ومكانها”، تبدو شركات المساهمة العامة تراوح في مكانها في ظل إقبال ضعيف لتحول بقية أنواع الشركات لها، أو تأسيسها من البداية، حيث لا تتجاوز نسبتها اليوم 0.52% من إجمالي شركات سورية، وهي نسبة ضعيفة جداً وفقاً لرئيس مجلس المفوضين في هيئة الأوراق والأسواق المالية د.عبد الرزق قاسم، الذي أشار إلى وجود 51 شركة مساهمة عامة فقط، راداً السبب لتجذر ثقافة الإدارة الفردية والعائلية، بما لم يعد متوافقاً مع الصيغة العالمية للاستثمار وإدارة الأعمال.
واعتبر قاسم أن أحد الأسباب هو عدم الجهوزية المؤسساتية للتحول، فالكثيرون لا يزالون يعتقدون أنها شركات جمع أموال، كما أن تعدد الجهات الإشرافية والرقابية يشكل عائقاً حقيقياً بوجه التحول، وهناك غياب للعدالة والمنافسة المتكافئة بين الأشكال القانونية للشركات، فشركة المساهمة العامة تدفع الضرائب بشكل حقيقي أكثر من بقية الأنواع، والأمر ذاته ينطبق على التأمينات الاجتماعية.
وقد بلغت نسبة القيمة السوقية لشركات المساهمة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2023 حوالي 15%، وهي نسبة قليلة جداً مقارنة بالدول المجاورة نتيجة انخفاض عددها، بينما بلغت في الأردن مثلاً 47%، وفي الإمارات 196%، كما بلغ عدد الشركات المدرجة في سوق دمشق 28 شركة مقارنة مع 271 في مصر، و167 في الأردن، و94 شركة في أبو ظبي.
وخلال ندوة أقيمت في غرفة تجارة دمشق، أكد قاسم أن شركات المساهمة أصبحت عنصراً أساسياً بالتنمية لقدرتها على تحويل المدخرات العقيمة للقطاع الإنتاجي، كما أنها تمتاز بتراكم رأسمالي كبير، وتتضمن المشاريع الضخمة التي يعجز الأفراد بشكل مستقل عن تأسيسها، فضلاً عن مساهمتها بتحريك الأسواق المالية، مبيناً أنها تسهم أيضاً بنقل اقتصاد الظل لاقتصاد علني منظم، وتتيح تخصيص الموارد على الشركات الأكثر كفاءة.
وأوضح قاسم أن هذه الشركات وسيلة لجذب استثمارات محلية، وسحب الكتلة النقدية وتوظيفها، كذلك جذب الاستثمارات الأجنبية، فثقافة الاستثمار الأجنبي تحتاج قطاعاً منظماً وشركات مدرجة بالبورصة، موضحاً أن الحصة الأجنبية في الشركات المساهمة بسورية كانت قبل الحرب 55% في الصناعة، و43% مصارف، و33% تأمين، و1% زراعة و6% اتصالات و0.11% خدمات، مضيفاً أن المساهمة العامة تضمن استمرارية حياة الشركة، وتتضمن فصل الملكية عن الإدارة –ولا زلنا في سورية غير مقتنعين بهذه الفكرة- ما جعل المستثمر السوري غير قادر على المنافسة في الخارج على مستوى الشركات الكبيرة، فهو متمسك بـ”عقلية الحجي”.
ولم ينكر قاسم وجود بعض التقصير من الهيئة في متابعة وكشف التجاوزات التي تقوم بها بعض مجالس الإدارات، فيما حاولت خلال العام الأخير الاستدراك وإعادة تفعيل أنظمة الحوكمة بشكل أكبر، وإنجاز ضوابط جديدة، لافتاً إلى الحاجة لتعديل قانون الشركات، ورفع الحد الأدنى لرأس مال شركات المساهمة العامة عن مليار ليرة، فيما يمكن –برأيه- زيادة عدد الشركات المساهمة عبر توافر المنظمين المقتنعين بجدوى الشركات وتبسيط إجراءات تراخيص الأعمال، وتخفيض رسوم التأسيس، ووجود مشروعات تحقق قيمة فائضة كبيرة جداً، وحصر تراخيص بعض الأنشطة لتكون مساهمة عامة كالتطوير العقاري والإنشاءات والتأمين والجامعات الخاصة والنقل الجماعي، إضافة إلى اعتماد الشركات المساهمة كأحد أشكال تطبيق مبدأ التشاركية، لاسيما في مشروعات البنى التحتية، فمعظم الشركات المساهمة بمصر كانت حكومية وتم خصخصتها وإدراجها بالسوق.
ولفت قاسم إلى توجه الهيئة لتعديل التعليمات والأنظمة التي تخص عملها، وتعديل أنظمة الحوكمة وأنظمة الإفصاح، وضبط اجتماعات مجالس إدارة حقيقية، وإنشاء قانون صناديق استثمار، وإدراج أدوات استثمارية جديدة (صكوك إسلامية وشهادات إيداع وسندات الدين).
رئيس اتحاد غرف التجارة أبو الهدى اللحام رأى أن الشركات حالياً قائمة على عدم مصداقية وأرقام غير صحيحة، فأداء الاستثمار ليس بقانون الاستثمار فقط، لذلك يجب التركيز على هذا النوع من الشركات، بينما اعتبر عضو مجلس إدارة الغرفة محمد الحلاق أن الشركات المساهمة صمام أمان للاستثمار، فالبعض ومنهم تجار لا يزال يتورط بشركات جمع الأموال، مؤكداً أن القوانين يجب أن تنسجم مع بعضها، فالحوكمة تمنع الشركات العائلية من التحول لأنها غير قادرة على الشفافية بشكل كامل مع كل الجهات، كما أن قانون الاستثمار الحالي غير مشجع لرؤوس الأموال الأجنبية.