العلاقات العائلية المسمومة
الحياة ليست أماً فقط، بل وأباً أيضاً، ولا تكتمل حياة الأسرة من دون هذه الأطراف التي تنشأ بينها منظومة من العلاقات المتبادلة أساسها المحبة والمودة والاحترام والتفاهم قدر الإمكان، وإلاّ دخلت العائلة ومحيطها الاجتماعي الأقرب فالأبعد بحالة من المشكلات المتسلسلة التي تنتهي بتفكك العائلة وانشراخ مستقبل أفرادها، ولأن الزمن لا يكرر ذاكرته مرتين، فكن إيجابياً مع ذاتك والآخرين، وللإنسان أن يعي كيف يحيا بطمأنينة وأمان وسلام وإيجابية، وينثر هذه الذات الإيجابية على كل الذين حواليه، فتبدو العلاقات قلوباً رحيمة لا قاسية، ووروداً معطَّرة بالمحبة الصافية، ومعطِّرة للحياة.
والمؤسف، أن أغلب العلاقات الإنسانية مصابة بالعكس، وردّات فعلها تصبح انعكاسات لكل ضيق عائلي واقتصادي واجتماعي، ولا بد من الوعي كميزان يتحكّم بالتصرفات، لأن ردّات الأفعال ستكون أسوأ وتنجب نقاطاً سوداء أسوأ، فتصبح العلاقات مسمومة، وتتطور إلى علاقات سامة متخمة بالحقد والانتقام حتى بين أفراد العائلة الواحدة من أم وأب وأولاد وأخوة.
ولا بد، وللحفاظ على علاقات صحية متعاونة، من تضحية إيجابية من الأطراف المشتركة، والخروج عن المعتاد الذي تسوده قاعدة ظالمة جداً تجعل الأم مجرد مضحية حتى بشخصيتها وعقلها ووجودها وكيانها وعملها ووعيها وإنسانيتها من أجل استمرار عائلة محمولة أساساً على جحيم السراب، وهذه معادلة ليست إنسانية، وتنعكس، بالتالي، على الأولاد، وبكل تأكيد، على المجتمع ومستقبله الذي يتألف من أمثال هؤلاء الأولاد وعائلاتهم.
لا يمكن لزوجة أن تستمر في بيت ملتهب بالمشكلات لمجرد تنفيس الزوج كربّ عائلة عن ضغوطاته، أو إثبات أنه الرجل في البيت، تنفيساً لفظياً وملاكمة وطرداً متواصلاً، فيبتكر المشكلات ولا يصغي لزوجته، بل لأهله وأخواته، وهم يعيشون على طريقة العلاقات السامة والمسمومة والتقاليد المظلمة التي تفرض على الزوجة احتمال زوجها وأهله حتى لو ابتكروا المشكلات، بينما ترفض أخت الزوج أن يطبّق أهل زوجها ما تطبقه على زوجة أخيها مثلاً.
هناك مثل يقول: “عائلة تُكنّن، وعائلة تُجنّن”، وعلى الزوج وأهله أن يدركوا بأن “كنّتهم” إنسان، وبأنها وزوجها مسؤولان عن بناء عائلتهما تبعاً لما يريانه مناسباً لحياتهما وحياة أولادهما، فيحترمون العلاقات، وكذا..، أهل الزوجة، ولا يخربون البيوت، وإذا لم يرغبوا في أن يكونوا إيجابيين، فعلى الأقل أن يظلوا على الحياد فلا يتدخلوا في ما لا يعنيهم، لأن لكل عائلة حياتها الخاصة.
وهذا الخراب يترسب بأشكاله الحاقدة والانتقامية في أعماق الأولاد نتيجة ما عانوه من آلام من خلال أبغض الحلال إلى الله، وهو يعكس مدى عدم رضاهم عن حياتهم العائلية المفككة، ومدى عدم مراجعتهم لأنفسهم ليبنوا علاقات صحية مع أنفسهم، وأهلهم، والآخرين، مما يجعل بعضهم، مهما بلغت درجته التعليمية ومنصبه ومهنته، أن يقول لآبائه: لسنا وحدنا العاقين، بل أنتما أيضاً!
وهذه الإجابة مرآة لبناء الإنسان بطريقة غير سوية، وتالياً، مجتمع غير سوي، نتجت عن الظروف الخاصة والعامة والزمن التكنولوجي، لكنها، أولاً وأخيراً، ناتجة عن سباحة الأبناء مع التيار، لا التوقف للحظة على الشاطئ للتأمل في الذات وإعادة بناء العلاقة معها ومع الآباء بأسلوب إيجابي، يتفهم ويحترم ما حدث من فراق وآلام أصابت كل أفراد العائلة، ويبدأ معها بوعي وضمير وقيم من جديد، ولا سيما يد الأم والأب تظل ممدودة للأبناء حتى في قبرهما.
والملفت، أن الكثير من الأعمال الأدبية والفنية كرست الأم في وظيفة واحدة فقط هي التضحية السلبية بذاتها، والصبر على الأفعال الظالمة للزوج وأهله، من أجل الأولاد، لكن غالبية الأولاد الذين صبرت أمهاتهم من أجلهم نراهم يتصرفون كأولاد الذين لم تصبر أمهاتهم على الظلم من أجلهم.
والسؤال: أين وعي المجتمع مع كل هذه المتغيرات؟ وأين وعي الأعمال الأدبية والفنية من مسرح وسينما وتلفاز ووسائل وأغان وتشكيل التي تتناول واجبات الأولاد المبنية على القيم والمحبة والاحترام تجاه آبائهم وحقوقهم، مهما كانت الظروف، وخصوصاً، أمهاتهم اللائي ولدنهم؟!
غالية خوجة