ثقافةصحيفة البعث

تمازج شعريٌ موسيقي فلسفي.. بعيتي: لو لم أكن شاعراً لكنت موسيقياً

حمص- سمر محفوض

“القصيدة تؤرقني ولو لم أكن شاعراً لكنت موسيقياً”.. عبارة ذكرها الشاعر حسن بعيتي ليبرهن على أن الموهبة وحدها ليست كفيلة بتكوين الوجود الشعري، بل تحتاج إلى سعة الثقافة والاهتمام بالقراءة وتوسيع المدارك بالاطلاع على التجارب المحلية والعربية وحتى العالمية، في فنون اللغة والشعر والأدب، وحتى تاريخنا العربي فهو برأي بعيتي منجم إبداعي لا ينضب.

وخلال الندوة الحوارية التي نظمها فرع حمص لاتحاد الكتّاب بالتعاون مع النادي الثقافي الشبابي سُلط الضوء على تجربة بعيتي الإبداعية التي حقق خلالها عدداً كبيراً من الإنجازات التي جعلت منه أيقونة شعرية محلية وحتى على مستوى وطننا العربي.

إضاءات عديدة ومتعدّدة الجوانب شملتها الجلسة الحوارية، حاولت استلهام العوامل التي أسهمت في إطلاق وصقل موهبته شعرياً وروائياً، متناولةً مراحل مفصلية كـ”الذكريات”، والمحاولات الأولى للكتابة والمرأة، والطفولة، والشباب، والهوية، تلك المضامين التي كانت حاضرة في تجربة بعيتي أسهمت في تأسيس وتعزيز كيانه الشعري والأدبي عبر مراحل متسلسلة ومتزايدة الروعة والجمال في تتابعها.

وأسهب بعيتي في الحديث عن البدايات ودور الأب في حياته، ما بين قصيدة “هكذا قال أبي” وقصيدة “كصوفي أبي” بفارق عشر سنوات بينهما، ليظهر نظرته حول أهمية ومفصلية دور الأب، الذي كان بنظره يشكل فسحة حوارية ونافذة معرفية للسمو بالتفكير، بل حافزاً تشجيعياً لتطوير المخيلة عبر البحث عن مبرّرات مقنعة لأي فعل قد يقدم عليه.

وفي ردوده على استفسارات المحاورين، انطلق بعيتي من إثبات أن مخيلته  الشعرية أشرقت ونمت منذ مراحل طفولته، فعلى الرغم من صغره كانت تجربته خلال سنين عمره الصغيرة تلك، غنية وأتيح له قراءة قصائد الشعراء الكبار، ما أفسح له المجال بشكل واسع لخلق مساحات إبداعية بلا حدود.

كما كان لشغفه بالموسيقا دور إضافي في تأكيد التجربة الجمالية بقراءة الموجودات في عالمه الثري المتنوع بين الميول والمواهب، حيث أكد أنه لو لم يتجه إلى الكتابة لاتبع نهج الموسيقا وأكمل مشواره بقوة في سماء ألحانها العذبة، ولأصبح عازفاً على آلة العود التي تحتل مكانة أثيرة في قلبه وفي مخيلته الإبداعية الهادئة.

كذلك صقلت دراسة الأدب العربي تجربة بعيتي، ومكنته من أدواته بشكل أكاديمي رزين، ثم أطلقته شاعراً بكل قوة وتميز من خلال تجربة خاصة وفريدة بطريقة ما.

وعلى الشاعر أن يكون شفافاً مع مشاعره، والتعبير عنها، فالهوية الشعرية بنظر بعيتي متجدّدة ودائمة، سواء ضمن أنماطها، أم عبر تحديث مفرداتها ومواضيعها، إذ يرى بعيتي أن الشاعر يذهب إلى المجاز والخيال ليقينه بأنه حقيقة مؤجلة، سيتمّ تحقيقها يوماً معززاً إياها بدافع الأمل، وعبر التمتع بالمقدرة على الرؤية والتقاط الإشارات والإشراقات الخافتة منها والكبيرة، من كل أرجاء الحياة المحيطة ليعيد إنتاجها في مخبره اللغوي والإبداعي الإنساني.

وحول دخوله مجال كتابة الرواية، قال بعيتي إن فكرة كتابته روايته الوحيدة “وجوه مؤقتة” تكوّنت في خضم الأحداث المؤسفة التي عصفت بسورية، إذ لم يسعفه الشعر في توصيف جوانبها وتجسيد ما يريد التعبير عنه من ألم وصور لم يعهدهما، ما دفعه إلى شواطئ بحر الرواية، كمساحة ربما تكون أوسع وتكون أقوى وأشمل في إتاحة التعبير عن مكنونات روحه وكتابة رؤيته لما يجري على أرض الواقع، ووجهات نظره من أحداث تقشعر لها الأبدان وتذرف لها الدموع.

وتخلل النّدوة، عرض مصور لآراء عدد من الشعراء والكتّاب والأصدقاء حول تجربة الشاعر حسن بعيتي، ومقاطع من مشاركاته الجميلة في المهرجانات الثقافية داخل سورية وخارجها، والجوائز التي حصل عليها، إذ أكد المفكر عطية مسوح خلال شهادته المصورة أن الشعرية في قصيدة الشاعر المبدع بعيتي قاربت الكمال؛ ففي شعره سمو ورفعة تنبع من عمقه الفكري الفلسفي وتمتعه بخيال واسع، بالإضافة إلى تمكنه من فنون الصياغة، والحفاظ على متانة وتماسك فكرته ومفرداته في آن.

كما أثنى الشاعر محمد علي الخضور على تجربة بعيتي من خلال معاصرته لها، ومتابعته لتفتح الوعي الشعري والجمالي، وتطورها وتميزها ليس على الجانب الإبداعي فحسب، بل من الناحية الإنسانية أيضاً، والتي تحمل الكثير من الحرص على تقديم الأفضل احتراماً وإكراماً لذائقة المتلقي ولموهبته، لافتاً إلى أن جوهر السؤال الفلسفي الكبير عند بعيتي والذي يقوم عليه مشروعه الإبداعي والتجديدي، هو التمازج بين الموسيقا والمسرح والشعر والرواية، فخرج فنه شفافاً عميقاً وفلسفياً، كما جعلت منه تلك المروحة الإبداعية شاعراً وروائياً حصد عدداً من الجوائز التكريمية.

أدار الندوة، الإعلامية ريما يوسف من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وريناز حجواني من النادي الثقافي الشبابي، وتزينت الندوة بحضور واسع من المثقفين وأعضاء الاتحاد وأصدقاء الشاعر.

يُذكر أن الشاعر بعيتي من مواليد مدينة حمص، عام 1974، وحاصل على جوائز عديدة في الشعر أهمها لقب “أمير الشعراء” في الموسم الثالث من المسابقة التي تنظمها هيئة الثقافة والتراث بإمارة أبو ظبي، بالإضافة إلى حصوله على المركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع العربي بدورتها العاشرة عام 2007، كما حاز على جائزة الدولة التشجيعية من وزارة الثقافة في عام 2023، تقديراً لعطائه الإبداعي والفكري في مجال الآداب.