في ذكرى تأسيسه.. الجيش السوري تاريخ حافل بالبطولات
د. معن منيف سليمان
تمرّ الذكرى التاسعة والسبعون لتأسيس الجيش العربي السوري والسوريون يستذكرون معارك البطولة والرجولة التي خاضها جيشهم الباسل دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن ضد المخطّطات والمشاريع الاستعمارية الغربية لاحتلال وتقسيم المنطقة العربية وسرقة ثرواتها.
يعدّ الأول من شهر آب عام 1945، هو التاريخ الرسمي لتأسيس الجيش العربي السوري، وكانت البدايات الأولى عندما نجحت الثورة العربية الكبرى في دحر الاحتلال العثماني وتحقيق الاستقلال في سورية، حيث أعلن عن تشكيل حكومة عربية مستقلة في عام 1918، تطلّبت تأسيس جيش وطني نواته من السوريين الوطنيين، وكان أول اختبار لهذا الجيش الفتي التصدي لقوات الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون عام 1920، ليسطر ملحمة بطولية في الدفاع والتضحية في سبيل الوطن، وترسيخ خيار المقاومة المسلحة ضد المحتل.
وفي أثناء الاحتلال الفرنسي لسورية (1920- 1946)، عملت سلطات الاحتلال على حلّ الجيش العربي السوري للحيلولة دون قيام أية مقاومة تهدّد وجوده، إلى أن تمّ تشكيل حكومة سورية وتأسيس الجيش السوري عام 1945 إيذاناً بالجلاء الفرنسي عن سورية، ومنذ ذلك التاريخ كان الجيش السوري حاضراً في كلّ الأحداث التي تمرّ بها الأمة العربية، يقدّم التضحيات العظيمة خدمة للقضايا الوطنية والقومية، فخاض عشرات معارك الشرف دفاعاً عن حقوق الأمة.
وعلى الرغم من حداثته وضعف إمكانياته فقد هبّ الجيش السوري لنجدة فلسطين، فشارك في جيش الإنقاذ لطرد الصهاينة من فلسطين عام 1948، وتمكن الجيش السوري وقتذاك من تحرير سهل طبريا الشرقي ومعظم سهل الحولة. وإلى هذا اليوم لا يزال الجيش السوري يقدّم الدعم والإسناد لفصائل المقاومة في فلسطين ويتحمّل العبء الأكبر وتبعات ذلك الدعم، ولا يعترف بالكيان الإسرائيلي كدولة، ويرفض التطبيع معه.
ووقف الجيش العربي السوري ضد المشاريع والأحلاف الاستعمارية الهادفة إلى جرّ سورية إلى حظيرة السياسة الاستعمارية، مثل حلف بغداد وغيره، وأسهم في تحقيق الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 التي كانت أول تجربة وحدوية في تاريخنا المعاصر، حيث كان للوفد العسكري السوري دور كبير في مفاوضة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإجبار السلطة القائمة آنذاك على التوقيع على ميثاق الوحدة بين البلدين الشقيقين، ثم كان الدور المشرف في القضاء على حكم الانفصال، وتفجير ثورة الثامن من آذار عام 1963 التي أولت أولوية كبيرة لمسألة إعادة بناء الجيش وتنظيمه على أسس حديثة.
وبعد أن تكرست فكرة الجيش العقائدي بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963، أصبح الدفاع عن قضايا الأمة العربية مهمّة رئيسية من مهام الجيش السوري، فشارك في التصدي للعدوان الإسرائيلي على الأردن عام 1953، كما سجل حضوراً قوياً ومؤثراً في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تمكن الضابط البحري السوري “جول جمال” من إغراق البارجة الفرنسية “جان بارت” تزامناً مع تفجير الجيش السوري أنابيب النفط المارة عبر سورية إلى دول العدوان ما تسبّب مع جملة أسباب في وقف العدوان على مصر.
وبعدما نفذ العدو الإسرائيلي عدوانه في حزيران 1967، واحتل مزيداً من الأراضي العربية سارع الجيش السوري إلى الاستعداد والتجهيز لمحو آثار النكسة واستعادة الأراضي المحتلة، فخاض بالتنسيق مع الجيش المصري في السادس من تشرين الأول عام 1973، معركة تشرين التحريرية التي حطّم فيها غرور “الجيش الذي لا يقهر” وسجل أروع الملاحم البطولية، وتمكن من تحرير مدينة القنيطرة عام 1974، واستعادة المرصد الاستراتيجي على جبل الشيخ، ولكن بسبب التدخل الأمريكي السافر وإمداد “إسرائيل” بكافة المساعدات لم يتمكن الجيش السوري من تحرير كامل أرض الجولان حتى اليوم.
واستكمل الجيش العربي السوري بطولاته القومية فتصدّى للعدوان الإسرائيلي على لبنان في حزيران عام 1982، ونجح في منع الجيش الإسرائيلي من احتلال البقاع والسيطرة على طريق دمشق بيروت، وكان عوناً رئيسياً للمقاومة الوطنية اللبنانية التي تمكّنت من تحرير الجنوب عام 2000، وصولاً إلى هزيمة العدو الإسرائيلي عام 2006، وكان للجيش السوري الفضل الكبير في إعادة الأمن والاستقرار للبنان من خلال المشاركة في قوات الردع العربية، ضد القوات الإسرائيلية والميليشيات اللبنانية.
وشارك الجيش السوري في حرب الخليج الثانية وهي الحرب التي دعيت باسم “عاصفة الصحراء”، وكان له دور مع الجيوش المشاركة في تحرير الكويت من الغزو العراقي.
كما خاض الجيش السوري منذ عام 2011، مواجهة مسلحة مع فصائل إرهابية مسلحة ومرتزقة أجانب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، ليقدّم الجيش السوري التضحيات الكبيرة ولا يزال إلى اليوم يقدّم قوافل الشهداء ويحقق الانتصار تلو الآخر ويدحر الإرهاب وداعميه، حيث تمكن من تحرير مدن ومناطق كثيرة احتلها الإرهابيون وعاثوا فيها فساداً ودماراً منطلقاً من عقيدته العسكرية الوطنية.
ولا شكّ في أن الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري جاءت بفعل التفاعل والتمازج الإبداعي بين الشعب والجيش وتكاتف الجميع وتعاضدهم كرجل واحد، ما زاد من قدرات الصمود والإصرار على الدفاع المشرف عن الأرض والعرض.
لقد أثبت الجيش العربي السوري منذ تأسيسه أنه درع الأمة وجيشها الوطني بامتياز، حيث أخذ على عاتقه مهمّة الدفاع عن وجودها وحقوقها، وجنّد نفسه لخدمة قضاياها، وبقي على مراحل تاريخه محافظاً على عقيدته العسكرية متمسكاً بها في مواجهة التحديات وفي التصدي للمؤامرات التي تحاك ضد شعبنا وأمتنا العربية.