الدبلوماسية الشعبية والموازية
د. خلف المفتاح
لكلّ دولة من دول العالم رصيد بشري من مواطنين، سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، وهم ثروة حقيقية لأوطانهم، وخاصةً عندما تمرّ في أزمات أو تحلّ بها كوارث، سواء كانت طبيعية أو بفعل الصراعات وغيرها، ونقطة اختبار لوطنيتهم وانتمائهم.
وتبرز تلك الحالة من خلال ما يقدّمونه لبلدانهم من مساعدات ودعم ومساندة والتفاف حولها ودفاعاً عنها، وسورية من الدول التي تمتلك رصيداً طيباً في هذا المجال، فملايين السوريين هم في المغترب منذ أكثر من قرن ونصف، ويتوزّعون في أغلب قارات العالم من أمريكا غرباً إلى أستراليا في أقصى الجنوب الشرقي للكرة الأرضية. وعلى الرغم من استقرار الملايين منهم في تلك البلدان، وحصولهم على جنسيتها إلا أن ارتباطهم هم وأبناؤهم وأحفادهم بقي قائماً ومتيناً في وطنهم الأم سورية، وتجلّى ذلك الارتباط في مناسبات عديدة، سواء كانت أفراحاً أو أتراحاً، ونقل أولئك السوريون الوجه الحضاري لسورية وعراقتها وحيوية شعبها وإبداعاته، حيث شكلوا في المغتربات حالة تميّز وإبداع وإخلاص للبلدان التي استقروا فيها، فساهموا في نهضتها وتطورها، وساهموا في الحياة السياسية وتبوأوا المناصب الرفيعة والمواقع الحساسة، واحترموا قوانينها وثقافة شعبها بالقدر الذي حافظوا فيه على ثقافتهم الوطنية وعاداتهم وتقاليدهم، وشكلوا جسر تواصل حضاري بين بلدان المغترب ووطنهم الأم سورية، وكانوا المثال في الانتماء والروح الوطنية.
إن الظروف الصعبة التي مرّت بها سورية خلال الثلاث عشرة سنة المنصرمة، والحرب العدوانية الإرهابية التي شنّت عليها، دفعت بكثير من السوريين لمغادرة بلدهم واللجوء والنزوح إلى بلدان كثيرة، كما تعرّضت سورية لنهبٍ منظمٍ لثرواتها المادية والبشرية، بما فيها الكتلة الحيوية من الشباب السوري، وشكل ذلك خسارة كبيرة لسورية على كل المستويات ولاسيما الرأسمالين البشري والمادي، ولما لذلك من انعكاس على المجمل الكليّ السوري.
ومع انتصار الجيش العربي السوري على الإرهاب، واستعادة أغلب الجغرافية السورية، وبسط سلطة الدولة الشرعية على تلك الجغرافية، والقناعة باستكمال ذلك باستعادة الجزيرة السورية ومناطق حلب وإدلب من سيطرة القوى الانفصالية والقوات التركية والأميركية، تبدو الحاجة ماسة للاستثمار في الدبلوماسية الشعبية وتفعيلها إلى جانب العمل الدبلوماسي عبر الخارجية، وكذلك جمعيات الصداقة العربية السورية الأجنبية، وروابط المغتربين السوريين لاستقطاب الرأسمال السوري المادي والبشري وعودته للوطن الأم، إضافة لتشكيل حراك في دول الاغتراب، ولاسيما أن وزارة الخارجية والمغتربين معنية بذلك الدور الذي يحتاج إلى تفعيل حقيقي، علماً أنه تمّ عقد العديد من المؤتمرات للمغتربين السوريين قبل الأزمة وأثنائها، ولكن لم تكن نتائجها بالمستوى المطلوب، ما يبرز الحاجة لتفعيل ذلك الجانب عبر شبكات تواصل فعّالة ومنتظمة وإستراتيجية عمل واضحة ومنظومة علاقات عامة أصبحت في كثير من الدول تحقق نتائج باهرة، وتشكل مجموعات ضغط لصالح بلدانها، ولاسيما في البلدان التي تسمح أنظمتها بذلك، وهي كثيرة ومتعدّدة، ولاسيما أن ثمة حماساً واندفاعاً ورغبة واستعداداً عالياً عند مئات الآلاف من المغتربين السوريين والمقيمين في دول عربية خليجية وغيرها من دول العالم للمساهمة في الاستثمار في سورية، والعودة إليها وخاصة بعد حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد، والانفتاح العربي والأجنبي على سورية، وقناعة الكثير من أبناء الأمة أن سورية بجيشها وشعبها وقيادتها ممثلة بسيادة الرئيس بشار الأسد قد خاضت معركتها دفاعاً عن الأمة من مشاريع استهدفتها حاضراً ومستقبلاً ووجوداً، ما وفّر الظروف والمناخات لاستقطاب الانتشار السوري والاستثمار في الروح الوطنية للمساهمة في إعادة إعمار البلاد، وتعزيز عجلة الاقتصاد السوري عبر الاستثمار في تلك الطاقة الوطنية التي أجبرتها ظروف الحرب على مغادرة البلاد، مع بقاء حالة الانتماء والحنين والرغبة في العودة، والاستقرار والتفاعل الإيجابي مع تراب الوطن وأهله ومؤسساته.
إن تفعيل الدبلوماسية الشعبية، وشبكة العلاقات العامة وروابط المغتربين، ولجان الصداقة العربية والأجنبية، والتواصل الفعّال عبر السفارات السورية المنتشرة في بلدان عديدة، وأصدقاء سورية من غير السوريين أصبحت ضرورة وتحدياً أمام الجهات الرسمية والشعبية والمجتمع الأهلي السوري.