طُفّشت من المصارف والاستثمار وخُزّنت “تحت البلاطة”.. كيف تحرر الحكومة مدخرات مواطنيها؟!
دمشق – ريم ربيع
تدور النقاشات والأحاديث اليوم حول كيفية جذب الأموال المجمّدة أو المخبأة “تحت البلاطة” نحو القنوات المصرفية والاستثمارية، وذلك بعد إحجام الكثيرين عن إيداع أو استثمار أموالهم فيها، وفقدان الثقة بأي إجراء حكومي في هذا المجال، فالمصارف لم تعد حقيبة ادخارية جاذبة، ليس لطبيعة عملها أو قوانينها، بل لفقدان الأموال المودعة قيمتها خلال فترة قصيرة نتيجة التضخم والغلاء المتواصل، وآخر الحلول التي أصبح أي شخص يملك كتلة نقدية جيدة يلجأ إليها هو الإيداع بالمصارف، إذ أمعنت أيضاً القوانين والتشريعات المتعلقة بسقوف السحب والتحويل بتطفيش المواطنين، وذلك في الوقت ذاته التي تلزم به قوانين أخرى أن تتمّ بعض التعاملات والمدفوعات عن طريق المصارف حصراً!
أما حجب تلك الأموال عن الاستثمار، فيعود لمخاوف ومخاطر عديدة، لم ترقَ الإجراءات والتشريعات الصادرة حتى الآن لمعالجتها، إذ يفضّل كثيرون تجميد أموالهم بعقار أو ذهب أو قطع أجنبي بدلاً من استثمارها، مهما كانت مغريات عائدات هذا الاستثمار كبيرة، فيما أصبح أمراً اعتيادياً أن يدعو المسؤولون بشكل مباشر وصريح بأن تخرج هذه الأموال المخزنة لتساهم في الإنتاج والاستثمار، لكن الخوف والتجارب غير الناجحة دائماً ما تتفوق على تلك الدعوات الشفهية والإنشائية.
الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش رأى أن هناك تأخراً كبيراً في التحرك نحو محاولة جذب المدخرات وفائض السيولة في المجتمع نحو القنوات المصرفية والاستثمارية، حيث سبق وقُدّمت مقترحات عديدة في الأعوام السابقة، تتضمن رفع سعر الفائدة على الادخار من 7% إلى 26%، ورفع الفائدة على القطع إلى 6.5%، إلى جانب المطالبة بقانون أو تشريع يضمن لصاحب الرصيد سحب رصيده بأي وقت وبالعملة ذاتها التي تمّ إيداعه بها، إضافة إلى تقييد حركة السيولة بالسوق مؤقتاً، وليس بشكل دائم، وذلك بما يضمن تجميع المدخرات في القنوات المصرفية، وهي مقترحات كانت كفيلة بجذب الأموال وتعزيز الثقة وبعدها إعادة ضخها في قنوات الاقتصاد وفقأ لأولويات محدّدة، وبشروط ميسرة، لإعادة تنشيط الاستثمار، ولاسيما في القطاعات الإنتاجية كأولوية مطلقة، وبسعر فائدة مدعوم يتراوح بين 2-8% بحسب أولوية القطاعات المستهدفة.
وأضاف عياش أن إعادة الثقة الآن صعبة جداً موضوعياً، لأن معدلات التضخم أصبحت أكبر من أن يستوعبها أي إجراء يمكن اتخاذه، أما من حيث الحلول الواقعية الممكنة في الظروف الراهنة لمحاولة إعادة تجميع المدخرات ومقدرات المجتمع، فيؤكد عياش أن الطريقة الأمثل لجذب واستثمار أو توظيف الفوائض المالية لدى المجتمع تكمن في التشجيع والتحفيز على إنشاء الشركات المساهمة، لأنه من الصعب البدء بالاستثمار لشخص واحد، فالكتلة النقدية المطلوبة أكبر من ممتلكات فرد، كما أن الكثيرين يفتقرون للخبرة والدراية في الاستثمار، فلصنع رأسمال مؤثر نحتاج حالة منظمة، ويمكن اعتبار الشركات المساهمة حلاً مناسباً لذلك.
وميزة تلك الشركات -بحسب عياش- أنها تستقطب المدخرات الصغيرة، وتخضع للحوكمة والشفافية، وتدار بعقلية اقتصادية صحيحة، كما يوجد الآن توجّه حكومي ضمن مفهوم إصلاح القطاع العام الاقتصادي لإنشاء شركات مساهمة عامة، يمكن للأفراد المساهمة فيها وتحقّق درجات عالية من الثقة، حيث يكون المستثمر الأكبر فيها هي الدولة لذلك تعدّ أكثر ضماناً.
وكذلك يرى عياش أهمية التشجيع لتحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة تسهم في تجميع المدخرات المتاحة للأفراد، وتوظيفها في شركات تمتلك السمعة والخبرة مما يعزّز الثقة ويشجع على المساهمة فيها، وقد يكون تطوير النظام الضريبي أحد العوامل المساعدة على هكذا تحول، داعياً إلى ضرورة تخفيف القيود على حركة السيولة، فطالما سقوف السحب محدّدة ستبقى مشكلة الثقة قائمة، إضافة إلى أهمية تعزيز التوجّه لآليات الدفع الإلكتروني، وتجهيز البنى التحتية له، لتكون أدوات مساعدة على تحفيز الاستثمار واستعادة الثقة.