دراساتصحيفة البعث

الاستفزازات في بحر الصين الجنوبي تنذر بالاشتعال

ريا خوري

يشهدُ العالم حالة من الصراعات والنزاعات في معظم أرجائه من الشرق الأوسط إلى الحرب الساخنة في أوكرانيا، وحالياً منطقة بحر الصين الجنوبي التي تشهد غلياناً مع تزايد حدّة التوتر والاستفزاز بين الصين والفلبين، وتصاعد التدخل الأمريكي السافر في تلك المنطقة على خلفية النزاع في هذا البحر، إذ تتعمّد الولايات المتحدة الأمريكية استغلال الوضع لتحريض مانيلا على لعب دور رأس الحربة في مواجهة الصين، وتشكيل تحالفات عسكرية وأمنية وإستراتيجية مع دول المحيطين الهندي والهادئ لمحاصرة الصين والتضييق عليها.

قبل عدة أيام شهدت مانيلا حراكاً سياسياً ودبلوماسياً مهماً، حيث شكّلت محادثات (2+2) بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، من جهة ونظيريهما الفلبينيين إنريكي مانالو، وجلبيرتو تيودورو، حلقةً جديدةً من حلقات الصراع التي يمكن أن تفجّر الأوضاع في المنطقة بسرعة كبيرة، وخاصة بعدما أعلن بلينكن أن الولايات المتحدة ستقدّم تمويلاً عسكرياً للفلبين بقيمة 500 مليون دولار بهدف “تعزيز التعاون الأمني مع أقدم حليف للولايات المتحدة ضمن معاهدة موقعة بين الطرفين في هذه المنطقة”.

كانت زيارة الوزيرين الأمريكيين إلى الفلبين في إطار جولة في القارة الآسيوية، والمحيط الهادئ لتعزيز التحالفات الأمريكية الهادفة إلى مواجهة الصين التي حذّرت أكثر من مرّة من أنّ العلاقات مع الفلبين وصلت إلى مفترق طرق، إذ قال نائب وزير خارجية  الصين تشن شياو دونغ، في بيان له حول ما يجري: “تحضّ الصين الفلبين مرة أخرى على احترام التزاماتها وتوافقاتها، ووقف انتهاكاتها المباشرة وغير المباشرة واستفزازاتها البحرية المستمرة، ووقف أي إجراءات أحادية الجانب قد تؤدّي إلى تعقيد الوضع وتزيد من صعوبة الوصول إلى حلّ سياسي، والدعوة إلى معالجة الخلافات بين البلدين بشكلٍ صحيح، من خلال الحوار والتشاور مع الصين”.

الجديرُ بالذكر أنّ المنطقة شهدت العديد من التصادمات بين البحرية الصينية والفلبينية خلال الأشهر القليلة الماضية على مقربة من الجزر محلّ النزاع، كما قامت القوات البحرية الأمريكية والفلبينية خلال الأشهر الأخيرة بمناورات عسكرية مشتركة في إطار التعاون العسكري بينهما، حيث ركّزت التدريبات السنوية التي يطلق عليها اسم (باليكاتان) أو (كتفاً إلى كتف) باللغة التاغالوجية، في الأجزاء الشمالية والغربية من الدولة الأرخبيلية، بالقرب من بؤرتي التوتر المحتملتين في بحر الصين الجنوبي وتايوان. من جهتها تطالب الصين بالسيادة على الممر المائي بأكمله تقريباً، وهو طريق رئيسي للتجارة الدولية، كما تعتبر تايوان التي تتمتّع بالحكم الذاتي جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.

لقد شهدت العلاقات بين الطرفين تحوّلاًً بعد تولي فرديناند ماركوس الابن زمام الرئاسة الفلبينية خلال العام الماضي، خلفاً للرئيس رودريغو دوتيرتي، الذي حاول التقارب مع الصين، في حين أن فرديناند ماركوس عمد، بعد تولي السلطة، إلى إبرام اتفاقات عسكرية مع الولايات المتحدة تتضمن زيادة عدد القواعد العسكرية الأمريكية في بلاده، والسماح لها بنشر أنظمة صاروخية متطورة في الجزر الفلبينية القريبة من شبه جزيرة تايوان، كما شارك في القمة الثلاثية التي عُقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدان في شهر نيسان الماضي، حيث أعلن الرئيس بايدن أن أيّ هجوم على طائرة، أو سفينة، أو على القوات الفلبينية في بحر الصين الجنوبي سيدفع إلى تنفيذ معاهدة الدفاع المشترك التي تربط الولايات المتحدة والفلبين، الأمر الذي اعتبرته القيادة الصينية تهديداً مباشراً واستفزازاً لها، ومحاولة لتشويه سمعتها الدولية أمام العالم.

كما ترى الصين أنّ إصرار الولايات المتحدة، التي تبعد آلاف الكيلومترات، على التدخل في الفلبين وبحر الصين الجنوبي، يشكّل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، وحذّرت من أنّ محاولة إدخال قوات خارجية لحماية بعض دول المنطقة لن يؤدي إلّا إلى المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار وانعدام الأمن والسلم الدولي، بل ويحوّلها إلى بيادق في يد دولة أخرى تلعب فيها وتحركها كما تشاء، وهذا ما يدفع تلك المنطقة إلى أن تكون واحدة من الأزمات العالمية التي تهدّد بالانفجار في أي وقت من الأوقات.