السجون الإسرائيلية.. قبور مظلمة
سمر سامي السمارة
أصدر مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً تقريراً مفصلاً حول التعذيب والإساءة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، بما في ذلك العنف الجسدي، والإيهام بالغرق، واستخدام الكلاب، بالإضافة إلى استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلية الصدمات الكهربائية، وكيّ المعتقلين ببقايا السجائر، وحرمانهم من الطعام والماء والنوم.
وبحسب التقرير المؤلف من 23 صفحة، والذي استند في معظمه إلى مقابلات مع المعتقلين المفرج عنهم، ممن أكدوا بأنهم كانوا محتجزين في مرافق تشبه الأقفاص، حيث كانت أذرعهم مكبلة وأجسادهم تتدلى من السقف، وقد جُردوا من ملابسهم لفترات طويلة، وكانوا معصوبي الأعين لفترات طويلة.
جدير بالذكر، أنه منذ تشرين الأول الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية، تعسفياً، آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، وبحسب التقرير فإن قوات الاحتلال احتجزت أكثر من 9400 فلسطيني “لدواعٍ أمنية” حتى نهاية حزيران الماضي في سجون سرية وبمعزل عن العالم الخارجي، دون تقديم سبب للاحتجاز.
من جهته قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان مرفق بالتقرير: “تشير الشهادات التي جمعتها مفوضيتنا وهيئات أخرى إلى مجموعة من الأفعال المروّعة، مثل الإيهام بالغرق وإطلاق الكلاب على المعتقلين من بين أفعال أخرى، في انتهاك صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”.
وجاء في التقرير أنه على الرغم من أن أغلب المعتقلين هم من الرجال والفتيان المراهقين، إلا أن ذلك لا يمنع وجود بعض النساء والفتيات المراهقات، حيث تعرّض المعتقلون لحالات العنف، بما في ذلك إجبار الرجال والنساء على التعري، والضرب وهم عراة، والصعق الكهربائي، والإجبار على الخضوع لعمليات تفتيش في أوضاع عارية مهينة، والإهانات الجسدية على نطاق واسع والتهديدات بالاغتصاب، واللمس غير اللائق للنساء من قبل الجنود الذكور والإناث على حدّ سواء.
وقال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أيضاً إن لديه أدلة فيديو لمعتقلين تمّ تصويرهم في “أوضاع مهينة عمداً” وهم مكبلون ومعصوبو الأعين، كما أفاد بعض المعتقلين أيضاً بوجود مرافق أشبه بالقفص وهم يعانون فيها من شدّة الاكتظاظ، حيث أشار التقرير إلى أن 13 إلى 20 معتقلاً من الذكور كانوا محتجزين في زنازين مصمّمة لخمسة أشخاص، ما أجبرهم على افتراش الأرض في ظل ظروف معيشية وصحية سيئة، مع تقارير عن تشغيل المياه لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم على مدى عدة أسابيع، وتعرّض المعتقلين لدرجات حرارة باردة، ومصادرة البطانيات وإزالة ألواح النوافذ في الطقس البارد.
ووفقاً للتقرير، استشهد ما لا يقلّ عن 53 معتقلاً فلسطينياً في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ تشرين الأول الماضي، ما يؤكد أن نظام الاحتجاز “يشكل إجراءً عقابياً جماعياً ضد الفلسطينيين”، حيث أفاد المعتقلون الذكور أنهم فقدوا جزءاً كبيراً من وزنهم أثناء الاحتجاز.
في الواقع، كان القلق بشأن الاعتقالات الإسرائيلية للفلسطينيين، والاعتقال الإداري الذي يسمح باحتجاز الأفراد دون تهمة أو محاكمة لفترات غير محدّدة، مرتفعاً منذ عدة أشهر، ففي كانون الثاني الماضي، أصدرت مجموعة مراقبة فلسطينية تقريراً يدين الاختفاء القسري لسكان غزة، كما وجدت صحيفة “نيويورك تايمز” أدلة على تجريد المعتقلين من ملابسهم وضربهم.
ولم تأتِ كلّ المخاوف بشأن الوضع في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية من الخارج، ففي نيسان الماضي، دعت جماعات حقوق الإنسان المحلية إلى إغلاق مركز الاحتجاز في قاعدة “سدي تيمان” العسكرية، بسبب ظروفه سيئة السمعة.
وقد جاءت هذه الدعوات في أعقاب تقارير مروّعة حول الإهمال الطبي والذي يؤدي إلى بتر أطراف المعتقلين بسبب إصابات الأصفاد، ثم أصدرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط تقريراً يدين معاملة المعتقلين، بما في ذلك موظفوها، الذين تعرّض بعضهم للاحتجاز وخضعوا لاستجواب قاسٍ.
وفي الأسبوع الماضي، دعت منظمة “أنقذوا الأطفال” إلى إنهاء الاحتجاز التعسفي الذي تمارسه “إسرائيل” ضد القُصَّر الفلسطينيين، حيث قال أحد المديرين الإقليميين للمنظمة: إن “هؤلاء الأطفال محاصرون، وغير قادرين على الحركة أو رؤية الشمس، ومجبرون على البقاء في زنازين مزدحمة في ظروف مروعة وغير صحية، ويتعرّضون لانتهاكات وعنف شديدين”.
إلى ذلك، قال خبراء إن تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان كان يهدف بشكل أساسي إلى تأكيد النتائج السابقة بشأن مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وقال نيل ساموندز، أحد كبار الناشطين في منظمة “الحرب على العوز” التقدمية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، على وسائل التواصل الاجتماعي: إن قادة الحكومة البريطانية الجديدة لم يتحدثوا عن الانتهاكات في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، مضيفاً أن التقرير يمكن استخدامه كدليل من قبل المحكمة الجنائية الدولية.