في انعكاسات إثارة القضايا العامة ومحدداتها
أحمد حسن
ربما يمكن الاتكاء على “السجال” الجاري حالياً بين السلطة التنفيذية، ممثّلة بوزارة العدل، والسلطة التشريعية، ممثّلة باللجنة الدستورية والقانونية في مجلس الشعب، حول طلب رفع الحصانة عن أحد أعضاء المجلس، كمثال على القضايا العامة التي تفتح الأبواب على أسئلة كبرى لا تتعلق فقط بالصلاحيات والاختصاصات الدستورية لكل من السلطتين، أو طبيعة الحصانات الممنوحة دستورياً ومداها، بل- وهذا الأهم- عن كيفية تحوّل بعض القضايا العادية إلى قضايا رأي عام نتيجة الغموض الذي يحيط بها، وخطر ذلك في مرحلة تاريخية “جاهزة” لتلقف أي شيء من أي مصدر دون التدقيق كثيراً في خلفياته ودوافعه.
وباختصار فإن وزارة العدل طلبت بكتاب رسمي رفع الحصانة عن عضو مجلس شعب لمساءلته بقضايا محدّدة، لكن اللجنة الدستورية في المجلس ارتأت رفض الطلب الأمر الذي دفع الوزارة لإعادة التأكيد على طلبها قائلة، إن “اللجنة” ليست جهة تحقيق، وبالتالي لا يحق لها الرفض ما دام الطلب مستكملاً شروطه القانونية المطلوبة.
وأمام هذا الأمر فإن المتابع العادي، وهنا أقصد الجمهور العام، الذي “يسمع” أن عضو المجلس يتمتع بحصانة طيلة مدة ولاية المجلس و”يعرف” أن “الوزارة” تعرف ذلك بالتأكيد، ولذلك فهي لن تقدم سوى ملف قانوني “محبوك” لا يتعلق بـ”قول” هذا العضو في المجلس بل بـ”فعله” خارجه، وبما أنه لا يعرف ما هي الحيثيات المادية/ الجنائية والقانونية التي استندت إليها الوزارة في طلب رفع الحصانة، كما لا يعرف ما هي المبرّرات الدستورية والقانونية التي استندت إليها “اللجنة” في ردّ الطلب، فهو، أي المتابع العادي، يُعتبر مستهلكاً جاهزاً لأي إشاعة تأتيه من الخارج –من خارج الطرفين، وليس من خارج البلاد فقط- وهي إشاعة ستبدأ بالتأكيد من قصص “الفساد” و”تغوّلها” والتغطية عليها، ثم ستكبر ككرة الثلج، وصولاً إلى النيل من مؤسسات الدولة تشريعية كانت أم تنفيذية أم قضائية.
بهذا المعنى وكي لا تتحول القضية إلى قضية رأي عام تلعب بها الأهواء والأهداف في الظرف الحالي عطفاً على السوابق المماثلة، ينبغي على الجميع القيام بمعالجة سريعة للموضوع، خاصةً وأنه لا يحتمل إلّا واحد من ثلاثة حلول، فإما أن “الوزارة” قد تجاوزت صلاحياتها وقدمت طلباً مشوباً بالعيب القانوني، أو أن “اللجنة” أخطأت في موقفها، أو أن هناك قصوراً تشريعياً في مكان ما سمح لهذا “السجال” أن يحصل.
بيد أن ذلك لا يكفي في عالم اليوم، فإذا كان يمكن لنا معالجة الأمر السابق باجتماعات في قاعات مغلقة فإن الأمر الأكثر ضرورة في واقعنا الراهن هو “إعلام” الجمهور، أي الرأي العام، بما يحدث تفصيلاً، وعلى الأقل “إعلان” الوزارة عن حيثيات طلبها، و”إعلان” اللجنة عن مبرّرات رفضها، كي لا نترك الرأي العام عرضة وفريسة للإشاعات و”التحليلات” التي ستأخذ الموضوع حكماً إلى مواقع أخرى، كما حصل في قصة التحقيقات الروتينية التي تجريها القيادة المركزية في بعض القضايا الحزبية الداخلية، فالشفافية في الإعلان والإعلام هي أهم في المرحلة الحالية من أمور كثيرة، خاصة إذا كانت الوقائع دامغة وثابتة.
خلاصة القول، في قضايا الرأي العام، وتحديداً تلك التي تطال “قصصاً كبيرة، لا يجب ترك الرأي العام دون تنوير في عصر أصبح فيه العالم، قرية صغيرة، يكاد الإعلام وتبادل المعلومات وانسيابها في كل الاتجاهات أن يكون سمته الرئيسة، فما نقصّر أو نمتنع عن نقله يجد، حكماً، من هو على أتم الاستعداد والجهوزية وبالتالي لنقله إلى “مستهلك جاهز” تنفيذاً لمقولة “بيير بورديو” عن دور وسائل الإعلام في خلق إدراك وهمي للعالم الحقيقي، وهو “مستهلك” لا يمكن “إنقاذه” إلّا ببناء جسر ثقة ركيزته الأهم السرعة والشفافية في تقديم المعلومة الصحيحة المفصّلة والموثّقة قبل أي شيء آخر.