دراساتصحيفة البعث

الجنوب العالمي لن يكون بيادق للولايات المتحدة

عناية ناصر

صرّح نائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل خلال جلسة استماع حول تقييم قدرة الولايات المتحدة على المنافسة مع الصين أن الولايات المتحدة “متأخرة كثيراً” عن الصين في إفريقيا وغيرها من مناطق الجنوب العالمي، ولديها الكثير من العمل للقيام به.

حالياً تركز الدبلوماسية الخارجية الأمريكية، التي تفتقر إلى الإستراتيجية والاتساق، بشكل وثيق على الصين، مما يجعل سياساتها الخارجية قصيرة النظر بدون خطة طويلة الأجل. الغرض من حديث كامبل عن الجنوب العالمي واضح، إذ لا يمكن لصنّاع السياسات الأمريكيين، مثل كامبل، أن يتسامحوا مع نفوذ الصين وقوتها المتزايدة، لذلك يجب على الولايات المتحدة مواجهة الصين في جميع المجالات التي تؤكد فيها الصين نفوذها. في جوهره، فإن دعوة الولايات المتحدة إلى “مزيد من العمل للقيام به” في بلدان الجنوب العالمي هي ببساطة إستراتيجية للتلاعب بهذه الدول وتسليحها واستخدامها كأدوات ضد الصين.

من منظور واشنطن، أصبح الجنوب العالمي الآن جزءاً لا يتجزأ من المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين. حتى إن ما يُسمّى بـ”مزيد من العمل للقيام به” في بلدان الجنوب العالمي يعني أن الولايات المتحدة تعامل الجنوب العالمي ببساطة كخط أمامي جديد للتنافس مع الصين على حساب تحويل هذه البلدان إلى منطقة معرضة للأزمات، وهذا بالتأكيد ليس ما يتوقعه الجنوب العالمي والمجتمع الدولي.

إن السبب وراء تأخر الولايات المتحدة كثيراً عن نفوذ الصين في إفريقيا وغيرها من مناطق الجنوب العالمي بسيط، فقد تجاهلت النخب الأمريكية لفترة طويلة إفريقيا وغيرها من مناطق الجنوب العالمي، ولم تولها سوى القليل من الاهتمام.

في نظرهم، هذه المناطق ليست أكثر من “مستعمرات” غنيّة بالمواد الخام والأسواق التي يجب استغلالها والاستفادة منها. وعليه يأتي الاهتمام المفاجئ لأمريكا بالجنوب العالمي من غرضها النفعي للتنافس مع الصين، ونظرتها إلى الجنوب العالمي على أنه ليس أكثر من أداة، ولو لم يكن هناك نفوذ صيني لما كانت الولايات المتحدة لتهتمّ، أو تأخذ الأمر على محمل الجدّ على الإطلاق.

لحسن الحظ، أصبح الجنوب العالمي الآن على دراية كاملة بالنوايا الجيوسياسية للولايات المتحدة في إنشاء زمر صغيرة وإثارة المواجهة، ولن ينخدعوا أبداً بالولايات المتحدة بسهولة التي تأمل في دقّ إسفين بين الصين ودول الجنوب العالمي الأخرى.

ومع ذلك، فإن إنجازات التعاون التي حقّقتها الصين ودول الجنوب العالمي الأخرى القائمة على المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل واضحة للجميع، ومثل هذا التعاون بين بلدان الجنوب لا يتزعزع.

إن دول الجنوب العالمي ليست حمولة على القطار الجيوسياسي الذي تقوده أي قوة كبرى، بل هي القوة الدافعة للسلام والتنمية العالميين، وهي ليست على استعداد لأن تكون بيادق وأدوات للولايات المتحدة لملاحقة مصالحها الجيوسياسية.

ومن خلال التأمل بالطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع حلفائها، هناك أمثلة كثيرة على خيانة الولايات المتحدة لحلفائها وتقديمها لوعود فارغة. ففي عام 2022، أعلنت مجموعة الدول السبع التي تقودها الولايات المتحدة أنها ستجمع 600 مليار دولار لدعم بعض بلدان الجنوب العالمي، لكن هذا الوعد لم يتحقق بعد، وقد أدّت مثل هذه الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة إلى تآكل نفوذها ومصداقيتها بشكل كبير في الجنوب العالمي.

إن اهتمام الولايات المتحدة بالجنوب العالمي، والذي تحركه فقط المصالح الجيوسياسية، ليس طويل الأمد ولا صادقاً. ومع اكتساب بلدان الجنوب العالمي فهماً أكثر وضوحاً وعمقاً لعدم المسؤولية في الدبلوماسية الأمريكية، فإن مقاومتها للإجراءات الأمريكية ستصبح بلا شكّ أكثر ثباتاً وقوة.