“صاحب الظل القصير”.. من قصة ساخرة إلى رواية بوليسية
أمينة عباس
حظيت رواية “صاحب الظل القصير” للأديب الدكتور محمد عامر المارديني منذ صدورها، مؤخراً، باستقبال نقديّ كبير من الوسط الثقافي والأدبي، والسبب أن الكاتب الوزير يؤكد استمراره في ممارسة ما يحبه والتعبير عنه، وأن الكتابة فرع أصيل في حياته، وهو ما يزال مخلصاً لها على الرغم من كلّ انشغالاته، لذلك كان حريصاً في كلّ القراءات النقدية التي قدمت على الحضور والاستماع لما يقال: “أستمع باهتمام وسعيد بكل ما يوجَّه من نقد وأتابعه بدقة بالغة لأنه سيصلح ذاتي وكتاباتي، وتنوع القراءات للرواية يعني ملامستها لكثير من القضايا الواقعية والإنسانية التي يمرّ بها الإنسان”، ويضيف: “أميل للقصة القصيرة أكثر من الرواية، ومتخصّص بالأدب الساخر، وبدأت بكتابة الرواية كقصة ساخرة، لكن الأمور سارت على غير ذلك، فسرعان ما تعدّدت الأحداث وتشعبت”.
تعدّدت القراءات النقدية للرواية، والملفت للانتباه قدرتها على ترك انطباعات متباينة بتفاصيلها لدى قرّائها، وخاصة ما يتعلّق بالنهاية التي اختُتمت بها وبجنسها الأدبي، فيؤكد الناقد عاطف البطرس: “الرواية عمل إشكالي على صعيد التجنيس، فالفرق كبير بين الرواية والقصة الطويلة، وبعيداً عن التنظير لمقوّمات العمل الروائي وعناصر ومقومات الرواية القصيرة والقصة الطويلة لم أرَ في هذا العمل توجهاً لليافعين -كما أشير على غلافها- فليس في الرواية فكرة أو مشكلة تخصّ اليافعين إلا ما جاء فيها تربوياً وأخلاقياً بما ينسجم مع طبيعة الكاتب أكثر من مخاطبة اليافعين، وقد استمتعتُ في هذه الرواية بحبكتها البوليسية والتدفق السردي والعفوية والمهارة التي يمتلكها المؤلف، وإن غابت عنها الشخصيات الديناميكية”.
وعلى الرغم من أن الكاتب المارديني ألمح في بعض ما قاله إلى أنه لم يكتب الرواية بالأساس لليافعين والشباب، إنما كتب رواية من دون تحديد الشريحة المستهدفة، إلا أن الكاتب أيمن الحسن لم يجد ضرراً من الإشارة على الغلاف إلى أنها تتوجه لهم قائلاً: “الرواية عمل يتوجّه إلى الفتيان لأنه يتماشى مع نمط تفكيرهم في هذا العمر وفق معايير اللغة التي تتناسب مع هذه الفئة العمرية، مع غياب وجود شخصية معقدة مأزومة على المستوى النفسي أو حدث وجودي حسب تعبيرات الفلسفة أو مصطلحات أدبية معقدة، فالأسلوب الأدبي الذي اتّبعه الكاتب هو الأسلوب التقليدي الذي اكتسب قيمته الأدبية من ميزاته الفنية، كما كان الدخول مباشرةً في الحدث من دون تقديم أو تمهيد مع متعة وتشويق يناسبان كل القرّاء”.
ويرى الدكتور عبد الله الشاهر أن الرواية تنتمي من حيث بنيتها الفنية إلى الرواية القصيرة التي تمتاز بتركيزها على فكرة واحدة هي غالباً ما تكون موجهة لليافعين، وترتكز هذه الفكرة على بطل محوري واحد تقوم الرواية على أكتافه، وبقية الشخصيات ملحقة بالبطل، كما في رواية “صاحب الظل القصير” التي هي النص المضاد لصاحب الظل الطويل للكاتبة الأميركية “جين ويستر”، مستفيداً الكاتب من عنوانه في استدعاء الذاكرة الجمعية ليحقق من خلال ذلك مفارقة واضحة في العنوان، ما لفت انتباه المتلقي والتساؤل الذي أدّى إلى الجذب، وهي حالة ذكية استطاع الكاتب تحقيقها في العنوان، كما نجح بالإمساك بقارئه منذ بداية الرواية إلى آخر صفحة من صفحاتها، حيث لم يترك مجالاً للمتلقي أن يلتقط أنفاسه في سردية جنائية قدّمها الكاتب ضمن حبكة فنية، معتمداً فيها طريقة الخطف خلفاً في استرجاع الأحداث وتوظيفها في مشاهد متعدّدة من الرواية”.
ويبيّن الناقد الدكتور ثائر عودة في قراءته للرواية أن العمل الإبداعي يتطلّب الإجابة على سؤالين هما “ماذا يقول العمل؟ وكيف يقول؟ مع البحث عن مدى المتعة والفائدة، لذلك قام بتفنيد عناصر الرواية كرواية بوليسية قائلاً: “جاء المشهد الافتتاحي مثيراً، حيث استطاع الإمساك بالقارئ، أما عنصر الجريمة فإن المؤلف نجح في وضع السنارة لاصطياد القارئ بها، لكن الكاتب عجّل برحيل الضحية عن مسرح الأحداث مبكراً من دون منحه فرصة التعبير عن دوافعه وأحلامه، وقد كان حضور المحقق في الرواية باهتاً وساذجاً وغير مجدٍ وفاعل، خاصةً وأن القارئ كان يعرف حلّ لغز الجريمة قبله، فكان وجوده فائضاً ولا ضرورة له”، ويضيف عودة: “لم يكن للتكرار الموجود في الرواية أي تبرير كتكرار بعض الحوارات، وخاصةً ما يتعلق بالتحقيق كما ورد في الفصل الأخير، حيث كرّر الكاتب الكثير مما يعرفه القارئ من تفاصيل الجريمة، وكاد هذا التكرار يودي بالرواية”.
ويعدّ الدكتور طارق عريفي رواية “صاحب الظل القصير” من أكثر الأعمال الأدبية التي تتناول الصراع الداخلي والخارجي للإنسان أهميةً، ويمكن للقارئ أن يجد عِبَراً كثيرة في حياة أبطال هذه الرواية وتأثير الظروف الاجتماعية على سلوك الإنسان الذي يقع ضحية الجهل والطمع والفساد، والأكثر أهمية من ذلك كله ضياع العقل والذكاء في غياب الأخلاق والتربية: “إنها أكثر من رواية موجّهة إلى الفتيان بما تحتويه من إسقاطات سياسية واجتماعية وأدبية، وهي إذ تحارب فساد الأخلاق الذي استشرى في بعض النفوس، تدعو إلى الإصلاح بالعودة إلى القيم والمبادئ والمثل العليا، إذ تتحدث عن مفرزات الحرب وما تبعها من أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية، وتأثيرها على العلاقات الأسرية والاجتماعية وغلبة الفساد الأخلاقي وانحسار القيم والمبادئ، مع تأكيدها ضرورة أن ينال المذنب جزاءه وأن تنشأ الأجيال تنشئة تربوية صالحة”.
وبعيداً عن التجنيس ونوع الرواية السردي، رأى الناقد أحمد علي هلال أن الرواية هي: “ضربٌ من المغامرة المحسوبة للكاتب كما هي القصة القصيرة الساخرة التي جهرت بقدرة المبدع على ارتياد آفاق الفن الساخر ومقاربة شرطه الفني وممكناته الأدبية، وفيها خاض مغامرة سردية تقوم على متن حكائي أثير وتنهض شواغلها على ما يستدعي إلى الأذهان أضغاث سيرة ذاتية مواربة واستدعاء ثيمات بعينها نهض عليها ما اصطُلح عليه بالأدب البوليسي، مفتتحاً الكاتب الرواية بـ”صوت من باطن الأرض” و”كان هاتفاً أشبه بكابوس حين اتصل حارس المقبرة بفريد يخبره عن صوت غريب يصدر من قبر أبيه المتوفى”، وهو المفتتح الذي سيقود عملية السرد وحقائق الشخصيات وتدفق الأحداث بزخم من التشويق والكثافة الدرامية”.
يُذكر أن هذه القراءات للرواية تمّت في فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب وفي الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين بحضور الدكتور محمد عامر المارديني الذي سبق وصدر له عدد من الأعمال، منها المجموعات القصصية “حموضة معدة”، و”قصص شبه منحرفة”، و”مقصات ناعمة”، و”أسلاك شائكة”، ورواية “شهاوى”.