على خلاف الجزء الأول.. “حليم 2” بأصوات شبابية
ملده شويكاني
“وتاني تاني تاني راجعين أنا وإنت تاني للنار والعذاب من تاني”، أغنية موعود الشهيرة، ألحان بليغ حمدي لم تكن بصوت عبد الحليم حافظ، وإنما بصوت خلدون حناوي في حفل “حليم 2” في دار الأوبرا على مدى يومين، بقيادة المايسترو المغترب مؤيد الخالدي ضمن مشروعه الموسيقي “رحلة مع الأنغام” للعام الرابع على التوالي، والذي أعاد إلى الذاكرة صورة موسيقا الزمن الجميل، ورسم ابتسامة مضت مع صور مختلفة للحب غنّاها عبد الحليم حافظ بإحساسه العاطفي، بمشاركة خلدون حناوي وبلال الجندي وعبد الملك إسماعيل.
ولم يكن الحفل رائعاً بقيادة الخالدي فقط، إنما كان مؤثراً بروح عبد الحليم حافظ وصوره المتتالية مع عمالقة التلحين والغناء ونجمات السينما المصرية، بالإضافة إلى صور من أشهر حفلاته، والأكثر تأثيراً كان صوته وهو يقدّم أغنيته الشهيرة المأخوذة من التراث الحلبي القديم “قدك المياس”.
وتميّز الحفل ككلّ بجمالية الموسيقا بعزف الموسيقيين الأكاديميين أعمال عمالقة التلحين، وتوظيف المايسترو آلات الصولو التي أدّت دوراً رائعاً بالنسيج الموسيقي لآلة الساكسفون – أحمد ناصح، والساز- د. هوشنك حبش- والغيتار – أمجد الحايك- والزورنا والناي – ماهر عامر-، والقانون ديمة موازيني والترومبيت – دلامة شهاب-.
كما تميّز الحفل بدور البيانو بالصولو والمرافقة في أغلب الأغنيات مع العازف -أغيد منصور-، ودور الأكورديون مع -لينا ميهوب- بمشاركة خاصة لعازف الكلارينيت باسم صالحة إلى جانب مشاركة جورج طنوس عازف الكمان.
استُهل الحفل بصوت المايسترو مؤيد الخالدي بالحديث عن عبد الحليم حافظ الباقي بالذاكرة، إذ مرت خمس وتسعون سنة على ولادته، وخمس وأربعون سنة على رحيله، ولم يستطع الزمن ولا الفن أن يقدما شبيهاً لحليم المبدع الاستثنائي الذي أثرى الغناء العربي بمفاهيم جديدة في شكل الأغنية وأسلوب الغناء وتفوق قوة الإحساس على قوة الصوت، وكان موسيقياً متميزاً قبل أن يكون مطرباً، ونجح في حجز مكانه سريعاً بين عمالقة زمن الفن الجميل”.
وخلال الحفل، غنّى خلدون حناوي بصوته الرائع وحضوره القوي “كامل الأوصاف” – ألحان محمد الموجي- التي سُبقت بصولو الساز – د. هوشنك حبش- وعمل على توظيف طبقات صوته بما يقارب مساحة صوت عبد الحليم، لكنه في بعض المواضع الطفيفة خرج عن مسار حليم باتجاه أسلوبه الطربي في هذه الأغنية، وكان أداؤه رائعاً بـ”أعز الناس حبايبنا” – ألحان بليغ حمدي- التي أظهرت جمالية اللحن وتقنية التقطيع الموسيقي بتتالي بعض الآلات وجمالية الفواصل الموسيقية، ليصل إلى “ياروح قلبي وحياة قلبي، يا أغلى الناس” بتدرجات طبقات صوته مع رقة الوتريات لتأتي القفلة مع الفلوت.
أما بلال الجندي فكان متمكناً من أدائه فأبدع بطبقات صوته وامتداداتها في مواضع بغناء “أنا لك على طول خليك ليه” -ألحان محمد عبد الوهاب- التي سُبقت بصولو البيانو ثم غنّى المقدمة الرومانسية “أنا لك على طول، خليك ليه” وتميّزت بفاصل الفلوت والوتريات الهادئة، ومضت الألحان مع آلات النفخ الخشبية بشكل خاص الفلوت، لتأتي القفلة مع الأكورديون والفرقة، كما غنى بأداء لافت “أي دمعة حزن لا لا” -ألحان بليغ حمدي- التي سُبقت بمقدمة موسيقية طويلة رائعة جداً، فكانت البداية مع الإيقاعيات وصولو الساكسفون، ودور الساز، بالإضافة إلى دور الترومبيت -دلامة شهاب- وتخللها صولو الناي.
ومع الإيقاعيات وآلات الفرقة بدور الباصون والأكورديون غنّى عبد الملك إسماعيل “صافيني مرة وجافيني مرة” -ألحان محمد الموجي- لكن أداءَه في هذه الأغنية لم يكن يتلاءم مع صوت عبد الحليم، وبدا أفضل في أغنية “على قد الشوق” -ألحان كمال الطويل- بدور الناي في مواضع، و”مداح القمر”– ألحان بليغ حمدي.
وخلال الحفل الذي تميّز بتفاعل الجمهور منذ اللحظات الأولى، أفرد المايسترو الخالدي مساحة للموسيقا الآلية بالفقرة التفاعلية مع الجمهور، إذ أخذ الكمان- جورج طنوس- دور الغناء بمرافقة الفرقة بالأغنية ذات الإيقاع الراقص “زيّ الهوى ياحبيبي” – ألحان بليغ حمدي- بدور الزورنا والساكسفون وبغناء الكمان ومرافقة الفرقة.
كما شارك عازف الكلارينيت الشهير باسم صالحة بغناء أغنية “أهواك”- ألحان محمد عبد الوهاب- على نغمات الكلارينيت بمرافقة البيانو والإيقاعيات والوتريات مع الأكورديون، ليصفق الجمهور على وقع تأثير عزف صالحة، وتميزت بمقاطع لتدرجات الكلارينيت، لكنه خرج عن مسار أهواك بارتجالات طفيفة ليعود إلى اللحن.
وفي حديث المايسترو مؤيد الخالدي لـ”البعث” أشار إلى أن فكرة الحفل تأتي استكمالاً لحفل “حليم1” ضمن مشروعه الفني الذي أطلقه من دار الأوبرا “رحلة مع الأنغام” وقد اختار مجموعة من أجمل أغنيات عبد الحليم حافظ من حفلاته وأفلامه سواء في “حليم 1” أم “حليم 2″، وتوخى الدقة بانتقاء الأغنيات من أطياف مختلفة للألحان والملحنين محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وبليغ حمدي وكمال الطويل، فكل ملحن عمل على إظهار الإبداع والإحساس الذي تفرد به عبد الحليم حافظ من خلال مساحة صوته، فبقي ثلاثة أشهر في بحث مستمر عن الأغنيات والتقطيع، لأن أغنيات حليم طويلة وعمل على تحديد مقاطع تلبي محبة الجمهور للأغنية.
وعن الجانب الموسيقي، قال إنه حريص على اختيار أفضل الموسيقيين الأكاديميين في المعهد العالي للموسيقا، وأغلبهم مدرّسون بالمعهد، وتابع: “أعمل على التفاصيل الدقيقة للموسيقا كما كُتبت وفي أغنية “أعز الناس حبايبنا” حرصت على تقديم فلوت ثنائي كما كتب ولم أستعض عن إحدى آلتي الفلوت بآلة أخرى، ولا أقوم بأي توزيع لأغنيات حليم، فبالتأكيد لا يمكن إجراء أي مساس باللحن لمحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي لأن هذه الألحان أصبحت من تراث الفن العالمي وليس العربي فقط، فيجب أن تقدم كما هي بدقة، وأعمل من خلال مشروعي على اختيار عمالقة الفن وتقديم الشباب بما يتناسب مع أصواتهم، ففي “حليم 1” انتقيت صوتاً نسائياً، لكون فايزة أحمد غنت “أسمر يا اسمراني”، و”كل ما قول التوبة” التي غنتها ماجدة الرومي، أما في “حليم 2” فكانت الأصوات للشباب وفقاً للأغنيات.
أما عن الفقرة التفاعلية بالغناء بالموسيقا الآلية، فعقب بأنه يستثمر أعمال حليم لإسعاد الجمهور بالإصغاء إلى الأغنية بالموسيقا والتفاعل معها، مؤكداً أنّ دار الأوبرا ستبقى تشعّ بالغناء العربي الأصيل.