أولمبياد باريس كشف المستور في رياضتنا فهل يكون الختام مسكاً؟
ناصر النجار
تختتم اليوم مشاركة رياضتنا في أولمبياد باريس، ونأمل أن نحقق فيها ميدالية مشرِّفة لرياضتنا عبر رباعنا معن أسعد الذي حمل على عاتقه رياضتنا ليدافع عنها أمام جملة من الإخفاقات وخيبة الأمل، حيث كشفت هذه المشاركة كما غيرها في البطولات الدولية والإقليمية تخلفنا الرياضي وتراجعنا إلى الوراء كثيراً، مع عدم إغفال الأسباب التي أدت إلى ذلك.
الإصابة الأليمة
جميع السوريين، رياضيين ومتابعين، أصابهم الإحباط والحزن الشديدين نتيجة انسحاب الفارس عمرو حمشو من أولمبياد باريس نتيجة إصابة فرسه، ومبعث ذلك أن الآمال كانت معقودة على الفارس لتحقيق نتيجة مرضية تمسح إخفاقات رياضتنا في هذا التجمع الرياضي الضخم الذي يضم نخبة رياضيي العالم.
ولكن كانت هذه مشيئة القدر ألا تتاح للفروسية السورية المشاركة في المنافسات.
والمتابع فعلياً للفارس عمرو حمشو لا بد أنه يعرف أنه عمل ما عليه، والدليل أنه حقق التأهل إلى الأولمبياد بفضل تفوقه وحصوله على العلامات المطلوبة المؤهلة، وعلينا أن نتذكر أن المجموعة السابعة المؤهلة للأولمبياد التي كانت سورية ضمنها، كانت تضم أعرق الدول العربية وجنوب أفريقيا، وجاء الحمشو بعد نهاية التصفيات الطويلة التي استمرت لأكثر من عام في المرتبة الثانية خلف الفارس المصري وائل نصار الذي انسحب من الأولمبياد أيضاً للسبب ذاته.
اتحاد الفروسية أصدر بياناً حول حقيقة الوضع والإصابة التي تعرض لها الجواد، والقوانين المرعية في نظام مسابقة الفروسية التي كانت صارمة بمنع المشاركة على أي حصان بديل كان يمكن استئجاره، وهذه الإيجابية تحسب لاتحاد الفروسية من خلال وضع النقاط على الحروف وتبيان الحقائق حتى لا يذهب كل شخص إلى تفسيره على هواه وحسب ميوله.
بكل الأحوال، الفروسية السورية مستمرة، وتعتبر من أنشط الرياضات في سورية، وهي تتبع النهج العلمي المدروس في تطوير اللعبة وتنمية مواهبها والعناية بقواعدها، وهذا ما رأيناه بأم العين في السنوات الماضية؛ ويكفينا فخراً أن الفروسية قد تكون الرياضة الوحيدة التي تلتزم ببرنامج مسابقاتها بالوقت المحدد ولها مشاركات خارجية عديدة ومفيدة بكل الفئات وأن قواعدها واسعة وجيدة ومتينة، ومن بطولة الجيش التاسعة الأخيرة ندرك مدى اهتمام الفروسية بقواعدها، فبطولة الفئات والأعمار الصغيرة هي في أساس البطولات جميعها ولا يمكن تجاوز ذلك بأي حال من الأحوال، ودوماً يتم البحث عن تطوير الجياد الموجودة من خلال التلقيح المدروس، فضلاً عن شراء أفضل الجياد في العالم، وهذا الأمر حيوي وضروري، فلا يمكن للفارس أن يتطور إذا لم يكن له جواد ممتاز.
فإذا كانت الإصابة قد ألقت حملها الثقيل على الفروسية في أولمبياد باريس، فإن هذا الأمر لا يحبط الفروسية والفرسان، بل هو دافع للحصول على ترشيح آخر والمضي قدماً نحو بطولات أخرى وحضور أكثر فعالية، ليس في الأولمبياد وحده، بل في كل البطولات الدولية على مستوى القارات الخمس.
لا للتنمر!
نميل إلى الرأي الذي يقول: علينا ألا “نتنمر” على رياضيينا الذين تأهلوا إلى الأولمبياد عبر بطاقات الدعوة ولم يحققوا أدنى المطلوب منهم، وقد فشلوا فشلاً ذريعاً في مشاركتهم.
الحقيقة أن المشاركة في الأولمبياد يلزمها استراتيجية طويلة بخطة استعداد قوية تستمر لأربع سنوات على الأقل، فهناك في دول العالم المتطورة رياضياً من يستعد الآن للأولمبياد القادم، وهناك من يعد النخب الصغيرة للأولمبياد الذي سيأتي بعده أي على بعد ثماني سنوات.
والحقيقة أن لاعبينا أشركناهم دون أدنى استعداد، واكتفينا بالمشاركات الروتينية المتعارف عليها كبطولة غرب آسيا أو الدورة العربية او غيرها من الدورات التي تكتسب الصفة العالمية لكنها لا تسمن ولا تغني عن جوع.
لذلك من الطبيعي أن يخفق لاعبونا وأن يحتلوا المراكز المتأخرة بأرقام مخجلة، والعتب دوماً على رياضتنا التي غابت عن الاستعداد والتحضير الأمثل، وعلى الإهمال الذي تلقاه، وعلى مقولة الإمكانيات المتاحة التي وضعت رياضتنا في أسفل الأماكن وأبعدها عن رياضة الدول المحيطة، وصحيح أن الدول العربية (على سبيل المثال) لم تحقق الميداليات البراقة بكثرة، لكن الصحيح أنها نافست وبصمت واقتربت بالكثير من الألعاب الرياضية من منصات التتويج، وهذا الاقتراب يعني أنها تتطور في رياضتها وأنها تعمل وتجتهد وستصل في يوم ما لتضع قدميها على منصات التتويج في كل الألعاب الرياضية.
دورة الألعاب الأولمبية التي تسدل الستار على منافساتها غداً تعتبر مرجعاً لكل ألعابنا الرياضية، ومن المفترض أن نضعها قاعدة لنعتمد عليها في ألعابنا الرياضية التي يمكن أن (تبيّض) الوجه في مثل هذه التظاهرات الرياضية.
نلاحظ أن المنافسة على صدارة ميداليات الأولمبياد كانت محدودة ببعض الدول كأمريكا والصين وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، وربما روسيا لو شاركت، هذه الدول هي النموذج الأعلى في الرياضة بكل الألعاب، لكن نلاحظ أن بعض الدول دخلت المنافسات من باب لعبة أو اثنتين، حصلت فيهما على الذهب أو نافست بقوة وقدمت أبطالاً ونجوماً واعدين، لذلك لا نستغرب ظهور دول كالجزائر والبحرين وكوريا الديمقراطية وسانتا لوسيا وأوغندا وكينيا وسويسرا وجامايكا وقيرغيزستان وغيرها في بعض الألعاب واقتلاعهم الميداليات البراقة، ونستنتج من ذلك قيمة التخصص الرياضي، فليس شرطاً أن تكون متفوقاً في كل الألعاب، إنما من المفترض أن تركز في لعبة أو لعبتين يجب أن تعتبر نفسك سيدها إن لم يكن في العالم كله، بل في العالم المحيط بك على أقل تقدير.
كانت رياضتنا متفوقة رياضياً بألعاب القوة مثل الملاكمة والمصارعة والجودو ولدينا أبطال كان لهم وزن على مستوى العالم وآسيا، وتفوقت رياضتنا برفع الأثقال منذ زمن بعيد قد يصل إلى خمسين سنة، لكنها انقرضت ولم يبق من ذكراها إلا معن أسعد، والكلام يطول ويطول عن ألعاب كانت ناصعة وأصبحت اليوم في علم الغيب، العالم تطور رياضياً ونحن تراجعنا كثيراً إلى الوراء.
لذلك لا بد من إعادة تقييم الوضع من جديد ومراجعة الذات والكشف عن مكامن الخطأ، لا نريد تحميل المسؤولية لاتحادات الألعاب فهي مأمورة، ولكن علينا وضع استراتيجية عمل واضحة ومهنية قادرة على النهوض بألعابنا، ونعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ بالتخصص، وتخصيص الأندية بألعاب قادرة على تبنيها وتطويرها وتقديم كل الدعم لها هو بيت القصيد ومن هنا تسير أولى الخطوات.