يأكلون بملاعق ذهبية
بشير فرزان
تستفز تاكيدات بعض اصحاب القرار أن الدخل الشهري لفئة العاملين باجر في المؤسسات العامة كاف لتحقيق شروط ومعايير الحياة المقبولة وتامين مستلزماتها بأتباع سياسة تقشفية او ترشيدية كما يسمونها.. وهذا الكلام، في حال استناده إلى دراسات وبيانات، يجيز لمن يأكلون “بملاعق من ذهب” أن يمعنوا في مواقفهم، والاستمرار في رسم حالة غير واقعية للحياة العامة التي باتت في مرحلة متقدمة من تفشي الفقر، وبحالة عامة لا يستثنى منها إلا الاثرياء الجدد وأصحاب الياقات داخل الجسم الوظيفي وبعض رجال الأعمال مع الاحترام والتقدير للأشخاص المعروفين بنظافة كفّهم المالية.
ولاشك ان الواقع المعيشي يؤكد اليوم أن العمل الوظيفي بات أقرب إلى السخرة منه إلى العمل المحكوم بقوانين قادرة على الارتقاء بواقعه وواقع العاملين فيه، فتأجيل البت بالكثير من القوانين والتريث بإقراراها لأسباب مختلفة تقدمها الجهات المعنية بات كابوساَ ضاغطاً على استقرار العمل المؤسساتي، ويمثل ضربة موجعة لسمعة هذا القطاع، وخاصة في هذه المرحلة.
ولاشك أن العبء المعيشي الذي أصبح – على ما يبدو – في مرحلة “قضي الأمر”، يثبت خطأ جميع الخطط والتطبيقات الاقتصادية وانحراف البوصلة عن سمتها الحقيقي (المواطن)، حيث لم نقرأ في الخطط الموضوعة على مدار السنوات الماضية إلا الكثير من الانقلابات السعرية السريعة في الأسواق لمختلف المواد والتصاعد المستمر في أسعار المحروقات، ولاشك أن المضغ الدائم لعبارة “عقلنة الدعم” يكشف حقيقة اقترابنا من خط الصدمة بغض النظر عن خصوصية المرحلة.
ولابد من التنبيه إلى خطورة وحساسية مهمة من يتولى إدارة دفة القرار الاقتصادي بهذه العشوائية والارتجالية دون ان يكون هناك خطوات حقيقية للنهوض بالحياة المعيشية وإعادة التوازن الدائم بين الدخول وحالة الفوضى السعرية التي تنهش جيوب الناس. ولاشك أن تحقيق هذا التوازن يحتاج إلى قرار جريء ونهج اقتصادي صحيح بعيداً عن سياسة الالتفاف التي تعودنا عليها خلال المراحل السابقة. والغريب ان يستمر بعض المسؤولين في النظر إلى الازدحام في المطاعم والمولات من باب الغنى المجتمعي وتمرير نتائج هذه النظرية الخاطئة إلى قاعات الاجتماعات التي تصدر ما يخالف الواقع عبر سياسات تنتهج التضييق على المواطن بالغلاء وبالفواتير وسحب الدعم، وفي المقابل يستحوذ العجز والشلل على قدرات وامكانيات الجهات المعنية بانتشال الدخول الشهرية من هاوية العجز.
ومن البديهي أن تسود حالة من الترقب والانتظار داخل الشارع السوري لما هو قادم وخاصة لجهة تشكيل الحكومة وما ستحدثه من فرق في حياة المواطن لجهة قدرتها على رفع مستوى الدخل وتحقيق انزياح كبير في الأعباء والضغوط الحياتية. والمطلوب أن تمتلك الحكومة القادمة القدرة على تحمل المسؤولية ورفع الغطاء عن السياسات غير الصحيحة وتصويب العمل الحكومي وانتهاج سياسة الإفصاح السريع عن المستجدات، وتوضيح كل ما يدور في فلك المعادلة المعيشية التي يريد الناس أن توجه بوصلة القرار فيها بشكل سليم باتجاه الناس وتحسين المستوى المعيشي المتخم بالهموم والتحديات بحيث لا يطلب من العاملين بأجر أن يعيشوا بأمان حياتي وهم يتقاضون مبالغ زهيدة كأجور، في حين أن متطلباتهم المعيشية تحتاج إلى ملايين الليرات، هذا عدا عن انعكاسات هذه الأجور على العمل ومساهمتها في انتشار الفساد بكثافة في المكاتب الوظيفية، وانقلاب الكثير من المفاهيم المجتمعية والأخلاقية، حيث بات المال الحرام والسرقة والانفلات الاخلاقي أكثر حضورا في المجتمع، فهل نشهد في الأيام القادمة قرارات على هذا الصعيد، أم تبقى حياة الناس عالقة خلف الأمل؟