ثقافةصحيفة البعث

“يحدث في غيابك” وحوار مفتوح مع روّاد النادي السينمائي

ملده شويكاني

“لابد من التوقف عند نقطة لنهاية الصراع والبداية من جديد” هذا ما قاله المخرج سيف الدين سبيعي في جلسة النادي السينمائي بعد عرض فيلمه “يحدث في غيابك”، سيناريو سامر محمد إسماعيل وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، في سينما الكندي بالتعاون بين المؤسسة العامة للسينما ومؤسسة أحفاد عشتار، بإدارة المخرج والكاتب وليم عبد الله وحضور فريق العمل.

وينتمي فيلم “يحدث في غيابك” إلى السينما المغلقة بما يشبه “السيتي كوم” بعيداً عن عمليات الغرافيك، بلقطات طويلة وقريبة، لتشارك الموسيقا وأغنيات فيروز وزياد الرحباني “كيفك إنت” الحوار مع البطلين الصحفي ـ يزن خليل- والطبيبة الممثلة اللبنانية ـ ربى زعرور ـ المختلفين بالقناعات والاتجاهات على الرغم من الانتماء الواحد، وتُبنى أحداثه على خلفية خطف المجموعات الإرهابية عشر معلمات من مدرسة الزهراء، ومن ثم قتلهن، فتدور الأحداث حول اختطاف الصحفي الطبيبة التي تعمل بمناطق تسيطر عليها هذه المجموعات لمصلتحهم رهينة لإعادة زوجته وابنه الرضيع، يتخلل ذلك مشاهد عنف من قبل الطبيبة لرفض احتجازها، لكن بالوقت ذاته تكتشف حقيقة إرهابيي “داعش” الذين يقتلون الأبرياء.

ويكشف الفيلم عن النزعة الإنسانية برمزية تراجع الصحفي عن حرق الطبيبة بعد معرفته من خلال نشرة الأخبار قتل زوجته، وبالمقابل إسعاف الطبيبة الصحفي من نوبة الربو على الرغم من وجود المفاتيح على الطاولة وتمكنها من الهرب، كما يتطرق إلى مشاهد الاشتباكات وصوت الانفجارات والخوف بفنية غير مباشرة، ويدخل بالسياق الدرامي البعد العاطفي، لتنشأ حالة حب بين البطلين توحدهما في النهاية لتجاوز الصراع والبداية من جديد.

يركز المخرج سبيعي على العلاقة التواشجية بين الثقافة والحب ببعده الخاص والعام، عندما تقرر الطبيبة العاشقة صناعة سرير من الورق بعد أن يسرق الإرهابيون كل ما في البيت، لينتهي الفيلم بمقولته التي تحمل رسالته “لن يكون الحل إلا بالحب”.

وبعد العرض تم نقاش جماعي، فأوضحت الدكتورة ميسر ميداني رئيسة مؤسسة “أحفاد عشتار” أن الفيلم يحمل محاور عدة للتفكير العميق، وينطلق برمزية من سوء الابتعاد عن الحوار، فعندما تجاوز كل طرف وجعه وصل إلى حلّ، مبينةً أن الفكرة المهمة التي توقف عندها الفيلم هي نزعة الإنسانية الموجودة داخل كل شخص بغض النظر عن انتمائه، فنحن شعب علّم البشرية الحب والإنسانية، وفطرنا على مساعدة بعضنا، وعلى الرغم من الحرب تعالى مجتمعنا على كل الصعوبات وتجاوزها، لنصل إلى أهمية التفكير الجماعي وليس الفردي.

واتسمت مداخلة المخرج سيف الدين سبيعي مع جمهور النادي بالودية، إذ تحدث عن الحالة الرمزية العالية للفيلم التي تختزل حالة البلد في سنوات الحرب، وبناء الفيلم على حادثة واقعية حدثت حينما قام الإرهابيون باختطاف عشر معلمات من حافلة المبيت في حمص، وعلى الرغم من ذلك لم ينطق الفيلم باللهجة الحمصية، وإنما باللهجة البيضاء المحكية حتى لا يتم فصل المناطق لكون الفيلم يحمل قضية عامة هي الوطن، لذلك لم يشأ أن يسمي البطلين، كما نوّه برمزية البيت الدال إلى الوطن والذي يجمع كل المجتمع السوري، ليخلص إلى أن الفيلم قدم اقتراحاً للنهوض والبداية من جديد، وهو الحب، ولابد من التوقف عند نقطة لنهاية الصراع والبداية من جديد.

أما الكاتب سامر محمد إسماعيل، فأشاد بالجهود التي بذلها المخرج سيف الدين سبيعي لإنجاح الفيلم، إذ من الصعب جداً أن يتمكن المخرج من شدّ المشاهد طيلة تسعين دقيقة في مكان واحد – البيت- من دون أن يشعر بالملل، وتحدث عن تأخر إصدار الفيلم سنوات في المؤسسة العامة للسينما حتى تمّ الاتفاق مع المخرج، ما جعله في وقت ما يفكر بتحويله إلى مسرحية من بطولة يزن خليل وزوجته حلا رجب لتأخر البت بأمر الفيلم.

وتابع إسماعيل حديثه عن انعكاس الفيلم على الحرب السورية وما خلّفته من تبعات بمفاهيم خاطئة عن الحرية ومحاولات اقتطاع أجزاء من سورية، لكن سورية بقيت متماسكة بكل تنويعاتها على الرغم من كل شيء، ونوّه بتكاتف السوريين في الخارج، فسرعان ما يتعانقون حين التلاقي.

ومن الجمهور، تحدثت الباحثة لمى نحاس عن حاجة المجتمع إلى تبني ثقافة قبول الآخر برمزية إغلاق الباب، المشهد الذي تكرر بالفيلم إيماءة إلى التوقف والبداية.

وختاماً مع المخرج وليم عبد الله المشرف على النادي، إذ تحدث عن تقنيات الفيلم ابتداءً من الكاميرا الدائرية التي أحاطت بالمشاهِد منذ اللحظات الأولى للشارة، ليبقى المشاهد أسير الدائرة الضيقة بالمكان البيت الذي يجمع البطلين، وهذه لعبة إخراج ذكية من المخرج، ولا يتمكن من إنجاحها إلا باكتمال كل العناصر مجتمعة السيناريو والإخراج والتمثيل والصورة والموسيقا، وأضاف أن الفيلم انطلق من النزعة الإنسانية بدلالة حركة المسدس التي غيّرها الصحفي مرات عدة في المشاهد الأولى، كما تكررت مفردة “آسف” بصوت البطل لتأكيد ذلك، وجملة “دير بالك على حالك” بصوت البطلة، كما أشار إلى جمالية خيارات المخرج الدقيقة المرتبطة بالتراث اللامادي مثل أواني المطبخ ودلة القهوة.

القبلة بين البطلين في المشهد الأخير، أثارت جدلاً بين جمهور النادي على الرغم من أن أفلام السينما الكلاسيكية كانت تنتهي بقبلة، وعدت آنذاك إحدى مفردات السينما المعبّرة عن النهاية السعيدة، وهنا عقب بطل الفيلم يزن خليل بأن القبلة وظّفت بشكل رمزي، وأكد أن الحل لن يكون إلا بالحبّ، بدلالة النور الذي ينبعث ويضيء الفضاء من حولهما ولم يكن المعنى المقصود الحب المباشر.