ثقافةصحيفة البعث

“ما تَيسَّرَ مِنْ نَزْفِ الشّعْرِ”.. ومضات بمعان متعددة وكلمات مكثفة

حمص ـ عبد الحكيم مرزوق

تنوعت قصائد المجموعة الشعرية “ما تَيسَّرَ مِنْ نَزْفِ الشّعْرِ” للشاعر الدكتور وليد خليف العرفي، سواء من حيث بنيتها الشكلية، أم على مستوى متوالياتها الإشارية، فمن حيث الأنماط الأسلوبية يجد القارئ قصيدة الومضة الشعرية التي تعتمد  عنصر الادهاش بما تقوم عليه من عناصر التكثيف في الكلمات، وتعدد المعنى، ومفارقة الصورة لما هو سائد، ومتعارف عليه، وقد تعددت أساليب التعبير في هذا النمط من حيث الصياغة التي جاءت على شكل تعاريف حدد الشاعر مفهومها وفق رؤيته التي قد لا تتفق مع ما هو سائد ومعروف، ومن هنا تبدو خصوصية هذا الشكل من أشكال التعبير في قصيدة الومضة التي نختار منها قوله الغربة أملٌ يولد في لحظة موت الوطن أنف وفم يخنقه كاتم صوت، ومن النمط الآخر ما بني على صيغة السؤال الذي يبقى غير قابل للإجابة الواحدة، إنما يظل مفتوحاً على تعدد الإجابات بتعدد رؤى القراء واختلاف ثقافتهم ومرجعيات تفكيرهم ومن ذلك ما نجده في قصيدة “سؤال”، إذ يقول:

سيّدُ الطُّرقاتِ أنا

مَنْ تُشاركني

خطوتي؟

واعتمد في النمط الآخر على علاقات تتكامل فيما بينها للوصول إلى حد معرفي جديد يقول في قصيدة “علاقات”:

الكلمةُ تبحثُ عنْ معنى

المعنى في مسعاهُ

يُفتّشُ عنْ أسيقةٍ لائقةٍ

والشَّاعرُ نسّاجٌ

إبرتُهُ تثقبُ رؤياهُ

كي تُلبِسَ للشّعرِ عباءتَهُ

وثمة نمط آخر يقوم على التناسل الذي يحيل على علاقات متضادة كما في هذه الومضة “كُلَّما”:

كُلَّما قالَ إنّي فضاءْ

ضاقَ فيهِ المدى

أوْ تشهَّى الغناءْ

يتلاشى الصَّدَى

النمط الثاني قصيدة شعر التفعيلة التي جاءت وفق رؤى جمالية تستند إلى تفعيلة واحدة ينظم الشاعر قصيدته عليها، ومنها “صَوْتُ نايٍ بحَنْجرتي”، يقول:

أمسكُ الجمرَ في راحتيا

مُعلناً ثورةً للجنونِ الخلاصِ

أنا صرْتُ فيها صَفِيَّا

وأنا في التَّمزُّقِ والإنهيارات

عشرونَ عاماً تُلاحقني

ألفُ ضدٍّ ومليونُ رفضٍ أنا الآنَ فيَّا

أنا حينَ القصيدةُ تعلنُ عذريَّةً شاعرُ

وأنا الدَّربُ حينَ يسيرُ بعكسِ اتجاهاتهِ ثائرُ

أما النمط الثالث فهو القصيدة بشكلها العمودي  غير أن هذا النمط لم يكن تقليدياً إلا من حيث الشكل، إذ تُطالعنا الصور الحديثة، واللغة المتجاوزة في كثير من قصائد هذا الأسلوب في التعبير قصيدة “نَزْفٌ على أنْقاضِ الحالة” ومنها:

على أنقاضِ حالتِنا أسيرُ                 جوادي الحُزْنُ والوعْيُ الضَّريرُ

فأجفاني يُقرّحُها اقْتتالٌ                        وباصرتي تُكحّلها الشُّرورُ

وعينُ القلبِ مُغْمضَةٌ وتبكي                   مآسينا الشَّواهدُ والقبورُ

تحوَّلتِ البلادُ لسجنِ موْتٍ                     وكفُّ الموْتِ منْ حولي تدورُ

وما لي كفُّ موسى شقَّ ماءً                   لأنجو حينَ تُغرقُني البحورُ

سوى أنْ أرسمَ الجُرْحَ ابْتساماً                فمِنْ نزفي تقطَّرتِ العطورُ

وثمَّة نمط آخر يجمع فيه بين شعر التفعيلة ونظام البيت ومن ذلك قصيدة “سفر” يقول فيها:

كمْ أراني أحنُّ لعينيك

يا امرأةً غرَّبتْني الشُّطوطُ

فأنكرْتُ كلَّ انتماءٍ لغيرِ عيونكِ

لا فرقَ تأتينَ حُلماً مع الصَّحوِ

غيرَ مسيري على شوكةِ الوقتِ

والموتِ في رعشةِ الإنتظارِ

وما زلْتُ أجهلُ سرَّ حنيني إليكِ

وأنتِ انشطاري

فيا خنجراً فيَّ منها أنا عاشقٌ كيفَ أدميْتَ ذاكرتي:

أنا بينَ احتراقاتي        سجينٌ دونَ قضبانِ

ويكبرُ أفقُ مأساتي       فيضحك فيَّ سجَّاني

عطشٌ في ضلوعي وما الحلمُ إلَّا هباب الحريقِ

وكنْتُ أضيءُ الأناشيدَ

لمْ أدر ِكيفَ انطفأتُ بعتمِ الركامِ

أما من حيث الموضوعات فمتعددة، إذ نجد الموضوعات الذاتية التي تجلت في قصائد الحب والحياة، كما في قصيدة “أمنية”:

أودُّ لوْ غيمةُ الرُّؤيا تُظلّلني            وتكْسفُ الشّمسُ عنْ أبراجِ قافيتي

وتمخرُ اللُّغةُ المعنى بأبجدِها                وحبلُ ياطرِها يرسو بعاطفتي

لأكشفَ الحرْفَ إعلاناً لمضمرهِا           وأرسم اللّوحةَ المُثلى  لفاتحتي

حُسْنُ البياضِ تجلَّى لونَ أغنيةٍ         إيقاعُها الحزنُ في موشور ساحرتي

كما نجد القصائد المعبّرة عن الهمين الوطني والقومي، وهنا نشير إلى أن الفصل بين هذه الموضوعات إنما هو فصل تصنيفي، إذ غالباً ما نجد التعبير عن الهموم الثلاثة الذاتي والوطني والقومي في القصيدة الواحدة، يقول:

فلسطينُ القيامةِ ضيَّعوها                   ودُنّسَ كلُّ ما فيها طهورُ

فيا قدسَ العروبةِ طبْتِ أرضاً             وفيكِ الشَّعْبُ بالتَّقوى يثورُ

فأطفالُ الحجارةِ درسُ مجدٍ               بِهِ التَّاريخُ يُكتَبُ والسُّطور

تأسطرَ عزمُ مقلاعٍ بحقٍّ                    يُجدّلُ فعلهُ الولَدُ الجَسورُ

إرادةُ وعيهِ بالحقّ أقوى               وهلْ تَسْتصعِبُ العالي النُّسور؟!

بسورة ذكْرِنا الـياسينِ نسمو              ويُثبتُ نصرَنا اللهُ القديرُ

وأخيراً، نشير إلى أن هذه المجموعة الشعرية من ضمن منشورات دائرة الثقافة في أمارة الشارقة دولة الإمارات العربية المتحدة عام  2023م، وجاء في مئة وعشر صفحات من القطع المتوسط.

ويذكر أنّ وليد العرفي من مواليد حمص عام 1966، حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها، ودبلوم في الدراسات العليا والتأهيل التربوي من جامعة “البعث”، ودكتوراه في اللغة العربية اختصاص “دراسات لغوية” من جامعة “تشرين”.