المجزرة واللغة المخاتلة
أحمد حسن
فجر السبت الماضي استيقظ العالم على إيقاعه اليومي المعتاد منذ نكبة فلسطين، فـ “إسرائيل”، وبعد أن تزودت بـ 3،5 مليار دولار أخرى من واشنطن، هبّت لتقوم بما وُجدت لأجله، وهو إبادة الفلسطينيين حتى وهم في أماكن لجوئهم التي اضطرتهم إليها المجازر السابقة، وبالطبع باستخدام ذخائر أمريكية “دقيقة التوجيه وعالية الدقة”.
وكالعادة، استيقظ قادة ما يسمى بالمجتمع الدولي ليقوموا بما اعتادوا عليه أيضاً، أي “التنديد” اللفظي بالمجزرة عبر لغة مخاتلة تسعى لخلق وعي عام مزيّف ومضلّل في الآن ذاته، فالبيت الأبيض الذي شعر بـ “القلق” إثر التقارير الواردة “حول الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين” .. “يعلم” أن المقاومة الفلسطينية “تستخدم المدارس كمواقع للتجمع والعمل خارجها”!! أمّا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بوريل، فقد اكتفى بالشعور بـ “الفزع” إزاء العدد الإجمالي الرهيب للوفيات نتيجة ضربة إسرائيلية، مضيفاً أنه “لا يوجد أي مبرر لهذه المجازر”، وإذا كان استخدامه للفظ المجزرة موضوعياً هنا فإن اكتفاء رجل في موقعه بـ “الفزع” من نتائج “ضربة” – وانتبهوا للمفردات – لا يعني شيئاً لضحايا مجزرة مروّعة اضطر المسعفون فيها لاحتساب “كل 70 كغم من الأشلاء شهيداً”.
وحدها مقرّرة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي استخدمت اللغة المعبرة عمّا يحصل، حين قالت إن “(إسرائيل) ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في المدرسة تلو الأخرى بغزة”، مضيفة إنها “تبيد الفلسطينيين في غزة بأسلحة أمريكية وأوروبية وسط عدم اكتراث كل الأمم المتحضرة”.
والحال، فإن “الأمم المتحضّرة” هي من يرعى عملياً، هذه المجزرة المستمرة -فعلياً ولغوياً- منذ عقود عدّة، لذلك فإن من يتوجّه إليها للمطالبة بوقف جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المدنيين والنازحين في قطاع غزة، ووقف شلال الدم المتدفق في القطاع يشبه، بالنتيجة، من يتوجّه للإدارة الأمريكية مطالباً إياها بإجبار دولة الاحتلال فوراً على وقف عدوانها ومجازرها ضد شعبنا الأعزل، واحترام قرارات الشرعية الدولية، ووقف دعمها الأعمى الذي يُقتل بسببه الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، وبالطبع يمكن إدراج هاتين المطالبتين، بغض النظر عن حسن النية أو سوئها للقائل، في سياق استخدام اللغة المخاتلة، لأنها تقدم صكّ براءة معنوياً من المجزرة لهذه “الأمم المتحضرة” وللإدارة الأمريكية على السواء.
خلاصة القول، ألبانيزي أشارت في بيانها الاستنكاري إلى أن “تاريخ (إسرائيل) في اغتيال الفلسطينيين بالداخل والخارج طويل، ولا يمكن أن يبقى دون حساب”، وهذا صحيح فللدم المسفوك ظلماً لعنته المقدسة، ومع الإرادة والإصرار يصبح لديه القدرة على صنع المستقبل، وكل ما يحتاجه لفعل ذلك هو أن يؤمن أهله – أهله وليس المتاجرين به – أن الوقت قد حان، وأن فجر يوم “طوفان الأقصى” هو فجرهم المعتاد والدائم، وأن سيف ذلك اليوم أصدق أنباء من كل “البيانات” المكتوبة باللغة المخاتلة، الفاجرة، والداعية لمفاوضات لن تنتج -وفق الدرس “الأوسلويّ” الشهير- إلّا دفعة أخرى من المجازر القادمة برعاية “الأمم المتحضرة” ذاتها.